recent
آخر المواضيع

المعلّمون بحاجة إلى الرعاية المبنيّة على معرفة الصدمات أيضًا

 

في مختلف المدارس في البلاد، يتلقّى المعلّمون تدريبًا حول كيفيّة إنشاء فصول دراسيّة تراعي تأثير الصدمات، حيث يتعرّفون إلى تأثير الصدمات في الجسم والعقل، والطرائق التي يمكن أن تظهر بها الصدمات في سلوك الطلّاب في الفصول الدراسيّة وحضورهم واستجابتهم. سيقوم المسؤولون بتدريب أنفسهم على سيناريوهات جديدة للتعامل مع سوء السلوك، بأساليب تركِّز على التعاطف والممارسات التصالحيّة. سيصبح عديد من المدارس مراكز تولي اهتمامًا كبيرًا لمعالجة الصدمات. ومع ذلك، يبقى القليل منها يهتمّ بمعالجة صدمات البالغين.  

 

منذ ظهور مصطلح الرعاية المستندة إلى الصدمات في سنة 2001، كان التعليم مجالًا رائدًا في سعي العالم لفهم العلاقة بين الجسم والعقل والسلوك. وكوني خبيرةً في مجال الرعاية المستندة إلى الصدمات، بخبرة تزيد عن 10 سنوات، أشعر بالتشجيع عندما أرى إلى أيّ مدى وصل هذا النهج النظريّ في دراسة الديناميكيّات الشخصيّة. ومع ذلك، يظلّ غياب رعاية المعلّمين والإداريّين ذا صدى مدوّيًا.  

 

على الرغم من أنّ لاحتياجات الطلّاب المتعدّدة الأهمّيّة القصوى، إلّا أنّ الرعاية المستندة إلى معرفة الصدمات ليست مستدامة عندما يعاني المعلّمون أيضًا الصدمات أو الضغوط النفسيّة المزمنة. ونحن، المعلّمين، قد نتلقّى تدريبًا في التطوير المهنيّ حول كيفيّة تأثير التجارب السلبيّة في مرحلة طفولتنا في عمليّة التعلّم، ولكن ليس حول كيفيّة تأثير نتائج عملنا في قدرتنا على التحمّل. قد نسمع أنّ النبرة الهادئة في أصواتنا هي المفتاح، ثمّ نلتفت لنسمع كلمات مهينة من أولئك الذين نعمل معهم، تُقال بالطريقة نفسها التي طُلِب إلينا للتوّ الامتناع عنها.  

يتطلّب التعليم منّا أن نعطي، ونعطي، ونعطي. ولكن، ماذا لو شعرنا أنّه لم يعد لدينا ما نقدّمه؟  

 

متلازمة الكوب الفارغ  

ابتكرت مصطلح متلازمة الكوب الفارغ لوصف ما شعر به الكثير منّا: وكأنّنا جافّون عاطفيًّا؛ ولكن، من المفترض أن يكون لدينا ينبوع نرتوي منه. والأسوأ من ذلك، في بعض الأحيان، يُعاقَب إرهاقنا، ممّا يخلق دائرة من العار والانتقادات. في مناقشات حول معدّلات انتقال المعلّمين، تحظى اقتراحات رفع الرواتب، وزيادة المزايا بقبولٍ كبير؛ لكنّ المعلّمين الذين يكافحون التنمّر من أقرانهم وطلّابهم، أو الذين يعملون وقد تخطّوا مرحلة الإرهاق بأشواط يُتجاهلون كليًّا.  

 

متلازمة الكوب الفارغ حقيقيّة، وتتطلّب دعمًا منهجيًّا. ومع ذلك، يمكن أن تأتي المعارضة من الجهات كلّها. قبل سنوات، سمعت أحد مديري المدارس يجادل، خلال جلسة تدريبيّة، بأنّهم هنا لمساعدة الطلّاب المصابين بصدمات نفسيّة، وأنّ المعلّمين البالغين يجب أن يعلموا كيفيّة التعامل مع ضغوط ماضيهم من دون أيّ مساعدة إضافيّة. وتابع بأنّ أيّ معلّم في مدرسته اشتكى من متلازمة الكوب الفارغ يجب أن ينتقل إلى مدرسة أخرى، وربّما مهنة أخرى. علّق أحد الحاضرين قائلًا: "إنّنا نقضي ساعات في تعلّم المزيد عن أنظمة بوليفاغال (ارتباط الجهاز العصبيّ بالحالات الشعوريّة) لدى طلّابنا، ولكن لا شيء عن حاجة أنظمتنا العصبيّة إلى المساعدة. فالأمر ليس كيوم آخر من تناول البيتزا على الغداء، أو يوم ارتداء الجينز".  

من فيروس كوفيد-19 إلى العنف المدرسيّ، يحتاج المعلّمون إلى رعاية تتّسم بوعي الصدمات أكثر من أيّ وقت مضى. وبمراعاة هذه الحقائق، ماذا يمكننا فعله لإنشاء مدارس تحوي تحوّلاً شاملًا نحو التصدّي للصدمات؟  

 

تذكّر: عديد من المعلّمين هم ناجون من الصدمات أيضًا  

من صدمات الطفولة إلى المشكلات الحديثة، مثل العنف الأسريّ، أو العنف في العلاقات العاطفيّة، والصدمات الطبّيّة، وغيرها، غالبًا ما يخفي المعلّمون والإداريّون صدماتهم الحقيقيّة. في أوّل منصب تعليميّ لي، شاهدتُ كيف أُقيل معلّمون لكونهم ضحايا العنف الأسريّ، حيث اعتبِرت مشاركتُهم سرَّهم بأنّهم كانوا يتعرّضون للإساءة، خطرًا على الحرم المدرسيّ! وبدلًا من تعزيز الأمان للجميع، تُجوهِلوا وتُرِكوا ليصبحوا أضعف أمام المزيد من الأذى.  

 

قبل بضع سنوات، كشفت لي إحدى المعلّمات تعرّضها إلى الاعتداء الجنسيّ في أوّل موعد غراميّ لها، وكان عليها الذهاب إلى الفصل الدراسيّ في اليوم التالي، والتصرّف كما لو كان كلّ شيء على ما يرام. فإن كان علينا أن نغيِّر السيناريو من السؤال "لماذا يتصرّف الطالب تصرّفًا غير لائق؟" إلى السؤال "ما السبب الكامن وراء سلوكه؟"، فمن الواجب أن نفعل الأمر عينه مع زملائنا: إذا بدت معلّمة منعزلة، أو مكتئبة، أو مرهقة، فبدلًا من النظر إلى هذه المظاهر السلوكيّة باعتبارها مشكلة، نسألها كيف يمكننا مساعدتها في حلّ المشكلة الأساس لتصرّفاتها وردود فعلها العاطفيّة.  

 

احترموا "ملاعق" بعضكم بعضًا  

نظريّة الملعقة مفهوم ابتكرته كريستين ميسيراندينو، ويستخدمه الأفراد ذوو الإعاقة والأمراض المزمنة لوصف القدرة المحدودة على التحمّل. يذكِّرنا هذا المفهوم بأنّ لدى الجميع مستوى مختلفًا من الطاقة يستنفدها على مدار اليوم، وبالنسبة إلى بعض الأشخاص، قد لا تُجدَّد بسهولة، ويمكن أن يكون لاستنزافها كليًّا عواقب مدمِّرة.  

 

يعاني عديد من المعلّمين إعاقاتٍ مرئيّةً وغير مرئيّة، تزيد من عبء الضغوط عليهم. ويمكن للجميع، بغضّ النظر عن قدراتهم، التحققّ من الأمر. والسؤال هو عمّن يشعر بالاستنزاف ولديه طاقة إضافيّة قليلة، ووضع استراتيجيّات مشتركة لإعادة توزيع حِمل الطاقة. قد يبدو القيام بذلك وكأنّ المعلّمين يتناوبون في التخطيط المشترك للدروس، وتقديم تسجيلات منتظمة، حيث يمكن للمعلّمين طلب المساعدة في المهمّات، وإتاحة مواد مساعدة (على سبيل المثال: سدّادات الأذن لتقليل الضوضاء، ومقاعد بدلًا من الوقوف...). يمكن أن يكون لهذه الجهود الصغيرة تأثيرات عامّة في الرفاهية.  

 

تجنّب الصورة النمطيّة للصدمة الثانويّة وإزالتها 

ينبغي لأيّ مناقشة حول الرعاية التي تستهدف الصدمات، أن تركِّز على الصدمات الثانويّة أيضًا؛ أي النتائج المحتمَلة من التعرّض إلى صدمات الطلّاب والزملاء، وأن تقدِّم إلى المعلّمين أدوات مبنية على الأبحاث لمواجهتها. على سبيل المثال، يمكن أن يسهم تقديم فترات راحة أطول أو أكثر للمعلّمين، وخيارات التدريب الجماعيّ، والاستشارة، والخدمات الدينيّة، ومجموعات الدعم، في تخفيف الضغط الناتج عن الصدمات.  

 

معظم هذه الموارد تكون منخفضة التكلفة أو بدون تكلفة، بينما يتطلّب بعضها الآخر إعادة تخصيص الموارد. ولكن أيّهما نفضِّل: تكلفة خدمات الدعم الإضافيّة، أم تكلفة ارتفاع نسبة انتقال المعلّمين المتكرِّر بين المدارس، واستقبال آخرين جدد؟  

 

قد يكون السكب من الكوب الفارغ شيئًا طالما عذرناه في نطاق التعليم، ولكن ليس من الضروريّ أن يكون ذلك مستقبلنا. يحتاج طلّابنا إلى رعاية من الصدمات في كلّ جانب من جوانب تعليمهم؛ وللارتقاء إلى مستوى هذا الهدف، يجب أن يتلقّى معلّمونا هذه الرعاية أيضًا. 

google-playkhamsatmostaqltradent