طالبت فعاليات تربوية متخصّصة في شأن الأمازيغية وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالتراجع عن المذكرة الوزارية رقم “200X24” بشأن “تدريس اللغة الأمازيغية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي برسم موسم 2024-2025″، قبل الانطلاق الفعلي للسنة الدراسية، من أجل تدارك ما اعتبرته هذه الفعاليات “خرقاً دستوريا وقانونيا”، منادة بـ”وضع تصور واحد يخصّ العمومي والخصوصي حتى لا تكون هناك بلقنة”.
وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة اعتبرت في هذه المذكرة “المثيرة للجدل” أن تدريس “تمازيغت” بمؤسسات القطاع الخاص، سيتم بصفة تدريجية وفي إطار اختياري في مرحلة أولى يشمل مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي الراغبة في الانخراط في تدريس اللغة الأمازيغية، وهو ما يرفضه مفتشون تربويون متخصصون في الأمازيغية، معتبرين أن “الوجهة هي التخلي عن هذه المذكرة ووضع مقتضيات جديدة”.
“شُبهة الأرضية”
عبد الله بادو، مفتش التعليم الابتدائي مكون بمركز تكوين مفتشي التعليم في تخصص تدريس اللغة الأمازيغية، قال إن “التنبيهات مازالت جارية لوزارة التربية الوطنية من أجل التراجع عن هذه المذكرة التي تنطلق من أرضية مشبوهة تكرس عجز السلطات العمومية أمام القطاع الخاص”، معتبرا أن “الدخول الدراسي فرصة مناسبة للتخلي عن هذه المقتضيات ووضع تدابير جديدة تتلاءم مع الدستور والقانون التنظيمي”.
وأورد بادو، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الوزارة تحتاج بشكل فعلي إلى استراتيجية للنهوض بتدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة الخصوصية بوصفها لغة رسميّة بمقتضى الفصل الخامس من الوثيقة الدستورية، وذلك حتى نضمن سياسة متناغمة ونسقية وقوية بين القطاعين العام والخاص، بل وأن يكونا مُكمّلين لبعضهما بخصوص تعليم هذه اللغة الأصلية للمغاربة”، مبرزاً أن “الأهداف والكفايات والمضامين يجب أن تكون موحدة. الاختلاف فقط في المحتويات والكتب والمناهج”.
وسجل المتحدث عينه أن “المدارس الخصوصية يمكن اعتبارها مدخلاً لضمان تعميم اللغة الأمازيغية، على اعتبار أن القانون التنظيمي 16-26 حدد سقف تعميم الأمازيغية في أفق خمس سنوات من صدور القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وهو ما يحيل إلى أننا كان يتعين أن نصل إلى نسبة تغطية تصل 100 في المائة بالسلك الابتدائي الذي تدرس به الأمازيغية في الموسم الدراسي المقبل 2024-2025”.
وشدد بادو على أن “نسبة التعميم أسهل في المدارس الخاصة”، مبرزاً أن “وزارة التربية الوطنية كان يتعيّن أن تشعر هذه المؤسسات التربوية بأنها مطالبة بتفعيل القانون والدستور، لأنه إذا جرى وضع الأمازيغية بصفة اختيارية فستكون كذلك دائما”. وزاد: “هذا ليس في صالح الأمازيغية، وبهذا الوضع لن نضمن تمكينها من السياسات والإمكانيات الكافية للنهوض بها وحمايتها ولا الارتقاء بها لتلعب كافة أدوارها ووظائفها”.
“ليس من أعلى”
مصطفى أوموش، مفتش في اللغة الأمازيغية، سار على تصور عبد الله بادو نفسه، الذي اعتبره هو “التصور الموجود لدى معظم مفتّشي الأمازيغية الذين يدافعون عن أحقيتها كلغة رسمية بأن تنال العناية التي تليق بها في مختلف الحقول التربوية، سواء عمومية أو خصوصية”، ولهذا، وجّه النداء بدوره إلى المصالح المختصة بالوزارة قصد “أخذ هذه المقترحات بالجدّية المطلوبة والتراجع عن قرار يأتي من الأعلى (المذكرة) لا يخدم تعميم الطابع الرسمي للأمازيغية”.
وضمن تصريحه لهسبريس، نبه أوموش إلى أن “القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي تضعه وزارة التربية الوطنية في مراجع هذه المذكرة، يشير في مادته الـ7 صراحة إلى كون التعليم الخاص ملزم بتنزيل كل مقتضيات القانون، بما فيها تلك المتعلقة بالأمازيغية”، لافتا إلى أن “القانون أقوى من المذكرة. وقد صار التخلي عنها راهنيّا مع الدخول الدراسي قبل تنفيذها”.
وأورد المفتش التربوي عينه أن “منطق الرأسمال لا يمكن أن يتعارض مع القانون والدستور”، ومن ثمّ “الوضع الاختياري الذي تتحدث عنه السلطات التربوية يتعارض مع روح التعميم الذي يقتضي أن كل مغربي يجب أن يستفيد من تدريس اللغة الأمازيغية، سواء في المدرسة العمومية أو الخصوصية أو في مدارس البعثات الأجنبية أو بديار المهجر”. وأفاد بأن “هناك تراتبية واضحة في القوانين ينبغي على الجميع أن يحترمها”.
من جهتها، قالت مصادر من داخل وزارة التربية الوطنية إن “تصور الوزارة لتدريس اللغة الأمازيغية في التعليم الخصوصي هو ذلك الوارد في المذكرة الوزارية رقم (200X24)، وهو مدروس لم يأت بشكل فوقي أو عفوي، بل تم بناء على مجموعة من اللقاءات والمشاورات”، مشددة على أن “المرجعيات المنصوص عليها واضحة، والأولوية طبعا حاليا هي للمدرسة العمومية”.