لست معنيا بحسنات ولا سيئات وزير التعليم العالي المغادر عبد اللطيف الميراوي، المؤكد أن في ذمته ملف طلبة كليات الطب الذي وصل الباب المسدود، كما أني لست معنيا، في هذا المقال طبعا، بحسنات وسيئات الوزير القادم عز الدين الميداوي، لكن فقط أريد أن أقف عند لقطة تم ترويجها تتعلق ببروتوكول تسليم السلط بين الوزيرين.
اللقطة التي تم الترويج لها بكثافة هي أن الوزير الجديد رفض مصافحة الوزير القديم. ما تراه قد يعني ذلك خصوصا وأنه تمت مصاحبته بتأويلات مبنية على معلومات. قيل أن الوزير المغادر سبق له أن أعفى الوزير القادم من رئاسة جامعة بن طفيل بالقنيطرة. وهذه مقدمة ساعدت أصحابها على التأويل. لكن هل هي مقدمة صحيحة؟ معلومات أخرى تبدو قريبة من الواقع تقول إن الميداوي لم يتم إعفاؤه وإنما استنفد المدة القانونية في الرئاسة.
بغض النظر عن طبيعة العلاقة التي تربط الوزيرين، فإن ما يهمني هنا هو أن الصورة تم استغلالها في المغالطة.
تبين فيما بعد أن الأمر لا يتعلق برفض الميداوي السلام على الميراوي. ولكن طلب منه أن يكون ذلك في باب الوزارة، حسب توضيحات من مقربين من الطرفين. وفعلا ظهرا في صورة وداع أمام باب الوزارة.
الشاهد عندنا هنا هو أن الصورة ليست محايدة. الصورة ليست واقعا، بل هي واقع آخر موجود في ذهن صاحبها. واقع متخيل. قد لا تعبر الصورة عن الحقيقة ولكن قد تنقل صيغة من صيغ الحقيقة، وقد تكون كذبا أو تنقل صيغة من صيغ الكذب. وما يقال عن الصورة هو ما يقال عن المكتوب. قد لا أنقل لك شيئا مغلوطا بل أنقل لك شيئا مغالطا عبر تحويره.
في الكتابة يمكن أن استعمل التأخير والنقص والقص لألوي الحقيقة مع كل شيء نقلته لك. لن أغير من البيان الذي وصلني من جهة ما. لكن أختار فقرة تضر بكل المضمون وأظهرها.
الصورة التي تم نقلها صحيحة. اللقطة التي يظهر فيها الوزير الميداوي يحاول منع الميراوي من الوصل إليه صحيحة كما رأيناها. ليست اللقطة هي الخاطئة ولكن رؤية ناقل الصورة هي التي تتحكم في تأويلها.
الذي منح نفسه بث جزء من اللقطة وإخفاء الجزء الآخر مارس المغالطة على المتلقي. الصورة التي تم تجزيئها تحولت من صورة إلى أداة مضللة خالقة نوعا من الزيف.
ليس مهما ما جرى بين الوزيرين وقد يحدث أفظع مما حاول ناقل الصورة ترويجه. شاهدنا شتائم بين مسؤولين واتهامات بين برلمانيين. لكن المهم هنا هو أن معركة تشفير المغالطة ضرورية لمحاربة التزييف الذي يضر بالصحة الذهنية للمتلقي، كما يمكن توظيفها في أي عمل غير لائق.