تزامنا مع اجتياز الآلاف من المجازين المغاربة مباريات ولوج سلك الماستر بعدد من كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طفا على السطح من جديد النقاش بشأن مدى نجاعة مُضاعفة هذه الكليات الاعتماد على صيغة الأسئلة متعددة الاختيارات “QCM” في الوقوف على مستوى وكفاءة الطلاب المتبارين، إذ يرى عدد ممن اجتازوا الاختبار الكتابي لهذه المباريات أن “طبيعة تخصصات ماسترات هذه الكليات تفرض اعتماد صيغة تحرير موضوع لتمكينهم من إبراز القدرات على النقد والتفسير والتحليل والمحاججة، وهو الأمر غير المتاح في صيغة ‘QCM’، ما يجعل اعتمادها سببا لإقصاء العديد من الطلبة المتمكنين من هذه القدرات”.
ويدفع بعض الباحثين في الشأن التربوي بأن توسيع الاعتماد على هذه الصيغة بالكليات محكوم بعامل “الرغبة في تسريع الإعلان عن نتائج الماستر، تفاديا لتأخر الدخول الجامعي لطلبة هذا السلك”، ويعتبرون أنها “صيغة فعالة وناجعة، على اعتبار أنها تمكن من قياس تعمق معرفة الطالب بأساسيات تخصصات ومواد الماستر المترشح له”، مُبرزين أن “القدرات المعرفية سالفة الذكر لا يمكن تقييمها في ساعتين من الزمن، وإنما خلال سنتي التكوين بهذا السلك في العروض والمقالات والدراسات”.
في حين يتمسّك البعض بأن “هذه الصيغة لا تسمح بفرز الطلبة الأكفاء في مواد وتخصصات الاختبار، على اعتبار أن التحليل والتفسير والمحاججة قدرات ضرورية ينبغي قياس مدى تمكن الطالب منها لولوج هذه التخصصات”، مضيفين أن “هذه الأخيرة أيضا تتطلب التمتع بقدرات تحريرية عالية لا يمكن اختبارها بواسطة الـ QCM”. بينما يتفّق الباحثون الذين تحدّثوا لهسبريس على “استبعاد فكرة أن إحدى الصيغتين تسهل حضور الغش بالمباريات أكثر من غيرها”.
“إيجابيات عديدة”
لحسن مادي، أستاذ التعليم العالي متخصص في علوم التربية، قال إن “ما يفرض على الجامعات المغربية توسيع الاعتماد على صيغة الأسئلة متعددة الاختيارات “QCM” في الاختبارات الكتابية لمباريات سلك الماستر هي الأعداد الكبيرة للمترشحين لهذه المباريات، التي لم تعد تسمح باعتماد صيغة تحرير موضوع بناء على سؤال مفتوح التي يطرح تصحيح اختباراتها صعوبة كبيرة تؤدي إلى التأخر في إعلان النتائج”، موُضحا أن “صيغة الأسئلة متعددة الاختيارات، بالمقابل، تُتيح للكليات التسريع في الإفراج عن النتائج، بالنظر إلى أن تصحيح أوراق اختباراتها يتّم عن طريق برامج معلوماتية متطورّة في وقت وجيز لا يتعدى 15 دقيقة أحيانا للورقة الواحدة، وبدقة كبيرة”.
وأضاف مادي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الصيغة تسمح أيضا للكليات بقياس مدى تملك الطالب أكبر قدر ممكن من المعلومات العامة الأساسية الضرورية في المواد الرئيسية في تخصص الماستر الذي يريد ولوجه”، مُعتبرا أن “قدرات المترشح على التحرير والنقد والتفسير والتحليل والمحاججة لا يمكن الوقوف عليها وتقييمها بشكل فعال إلا بعد ولوجه إلى الماستر، من خلال المقالات والدراسات البحثية والعروض التي سيكون مطالبا بتقديمها طيلة فترة سنتين، وكذا من خلال صياغته بحث التخرج ومناقشته، وليس من خلال اختبار كتابي مدته ساعتين”.
وأوضح أستاذ التعليم العالي المتخصص في علوم التربية أن “توسيع اعتماد صيغة الأسئة متعددة الاختيارات بات توجها لدى مختلف الجامعات الأمريكية والأوروبية المرموقة، بالنظر إلى أن الإمكانيات التي تتيحها هذه الصيغة مازالت تتطوّر، خاصة مع التطوّر الرهيب للذكاء الاصطناعي، بحيث لم يعد من الممكن عبر الحواسيب تصحيح اختبارات الأسئلة متعددة الاختيارت فقط، وإنما بات متاحا أيضا إعداد هذه الأسئلة من خلالها، وبالاستناد إلى منهجية علمية دقيقة”.
“صيغة غير فعالة”
عبد الناصر الناجي، خبير تربوي، رئيس “جمعية أماكن لتحسين جودة التعليم”، أكدّ بدايَةً أن “وضع الاختبارات المعتمدة على صيغة الأسئلة متعددة الاختيارات تطوّر بشكل كبير؛ إذ أصبح يتمّ بواسطة برامج ذكاء اصطناعي متخصصة تختار الأسئلة بناء على معايير منهجية علمية دقيقة تجعل من الصعب أن اجتياز هذه الاختبارات بواسطة الحظ فقط، أي من خلال الاختيار العشوائي بين الإجابات المقترحة”، موُضحا أنه “مع ذلك فإن هذه الصيغة تبقى أكثر فعالية في المباريات المرتبطة بالشعب العلمية، مٌقارنة بشُعب العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية”.
وأوضح الناجي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “صيغة الأسئلة متعددة الاختيارات تمتحن الطالب غالبا في معلومات عامة يسهل التمكن منها عن طريق الحفظ فقط، وبالتالي فإن نتائج الاختبارات التي تعتمد عليها لا تسمح بالفرز بين الطالب الكفء المؤهل والطالب غير الكفء”، مٌعتبرا أن “كفاءة المترشح في مواد وتخصصات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية تتمثّل في قدرته على التحليل والتفسير والنقد والمحاججة والدفاع عن الفكرة، وهو ما لا يتأتى تقييمه إلا من خلال مُطالبته بتحرير مقال في أحد المواضيع المرتبطة بهذه التخصصات”.
وتابع الخبير التربوي ذاته: “اعتماد صيغة تحرير موضوع إجابة عن سؤال مفتوح تمكّن أيضا من تقييم مدى تمتع المترشح بأسلوب لغوي رفيع وقدرات تحريرية عالية، على اعتبار أن هذه الأخيرة تبقى حاسمة وضروية في كل المهن المرتبطة بشعب العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية”.
ورفض المتحدث ذاته “تبرير تزايد اللجوء إلى صيغة الأسئلة متعددة الاختيارات بإكراه كثرة أعداد المترشحين لمباريات ولوج سلك الماستر؛ لأن هذا الإشكال ليس وليد هذا الموسم، بل كان دائما حاضرا في جميع المواسم الجامعية السابقة”، مُعتبرا أن “الأساسي في الاختبارات هو ضمان إنصاف جميع المتبارين؛ ولذلك يجب تفادي مقاربة البحث عن الحلول السهلة والتأقلم مع جميع العوائق والإكراهات بما يفرض مثلا في هذه الحالة على الكليات مُضاعفة أعداد الأساتذة الذين يقومون بعمليّة التصحيح”.