أثار تأكيد عواطف حيار، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، بخصوص تحسين آليات التكفل النفسي بالصدمات النفسية للأطفال، من خلال تعزيز العمل مع المرصد الوطني لحقوق الطفل، انتباه الفاعلين في الطب النفسي في المغرب، الذين اعتبروا أن “مشروعا طموحا من هذا النوع ظهرت الحاجة إليه بحدة عقب زلزال 8 شتنبر”، مشددين على كونه “تصورا بأهمية بالغة ومُحبذة”.
بشرى المرابطي، الأخصائية النفسانية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، كانت من الذين يدعمون هذا التصور في مجمله لـ”تجويد السياسات العمومية المقدمة للأطفال في الشق النفسي والاجتماعي”، مضيفة أن “إطلاق الوكالة الوطنية لحماية الطفولة المحتاجة للرعاية، بدوره، يكتسي أهمية بالغة جدا؛ مما يبين أن المغرب قام بخطوات تستحق التنويه في هذا المجال، على مدى سنوات عديدة”.
وأوردت المرابطي، ضمن إفادات قدمتها لهسبريس، أن “إطلاق المرصد الوطني لحقوق الطفل في التسعينيات من القرن الماضي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان بداية مشوار سيصل إلى ما نعيشه اليوم”؛ لكنها استدركت بالقول إن “هذه الوتيرة السريعة لم تعكس بشكل كافٍ العمل في مجال الطفولة، إذ كان هناك بعض البطء مرات وتعاطٍ سريع في مرات أخرى”.
وسجلت الأخصائية النفسانية والباحثة في علم النفس الاجتماعي أن إطلاق مشاريع من هذا النوع يلبي الحاجة المجتمعية المتنامية إلى تحركات عمومية مماثلة، مشددة على ملاحظة تعدها “وجيهة” مفادها أن “نطاق التعاون يبدو مقتصرا على وزارة العدل والنيابة العامة؛ في حين أن الجامعة تعتبر طرفا أساسيا في هذا المجال، لكونها تحتضن شعب علم النفس”.
كما اعتبرت المتحدثة ذاتها أن “إنشاء ماستر متخصص في الموضوع يمكن أن يكون صقلا للمسار، لاسيما فيما يتعلق بمراكز الحماية”، مضيفة أنه “من المهم أن يكون هناك تخصص أكاديمي؛ فالمئات والآلاف تتخرج من الجامعات في هذا الشعب، خصوصا في التخصصات التي يمكن أن تساهم في إغناء عمل هذه الوكالة”.
وساقت الأخصائية النفسانية سالفة الذكر ملاحظة أخرى مرتبطة بمراكز الحماية، مشيرة إلى زيارات كثيرة أجرتها لهذه الأماكن التي تبرز جهودا كبيرة بذلتها وزارة حيار؛ لكنها ترى من جهة أخرى أن ربط ما يتعلق برعاية الأسرة والطفولة بالجمعيات يمكن أن يُعاد فيه النظر، على اعتبار أن الكثير من الجمعيات بعيدة عن تحقيق الأهداف المرجوة”، بتعبيرها.
وعززت الأكاديمية ذاتها وجهة نظرها في هذا الباب بـ”كون الخلفية المعرفية والعلمية والتكوين في مجال حماية الطفولة وتنزيل الدعم النفسي يعد شرطا أساسيا”، مشيرة إلى أنه لا يعني هذا عدم وجود تنظيمات مدنية متخصصة ومحنكة، لكن يبدو في المجمل أنها تفتقد إلى هذه الخلفية الأكاديمية التي نتحدث بشأنها.
وقدمت بشرى المرابطي أيضا توصية متصلة بـ”إعادة النظر في بعض القوانين، خاصة القانون المتعلق بسقف السن الذي يسمح للأطفال بالاستفادة من رعاية المراكز، والذي ينتهي عند 18 سنة”، مبرزة أن “العديد من الأطفال يصادفون العيش في الشوارع بعد مغادرتهم هذه المراكز، ويصبحون مشردين ومجرمين؛ مما يصعب إعادة إدماجهم داخل المجتمع”.
ونبهت المتحدثة نفسها إلى “أهمية أخذ مرحلة المراهقة بعين الاعتبار، لكونها مرحلة ذات خصوصية نفسية واجتماعية جد حساسة؛ بل هي من أهم المراحل في تشكيل شخصية الإنسان”، مشددة على ضرورة توفير متخصصين، حصريا، في هذه المرحلة التي تتطلب تدخلا من نوع خاص. فهي الفترة العمرية التي يواجه فيها المراهق تحديات تشكيل الهوية وتطويرها وتحديد مستقبله.
كما أشارت الأخصائية النفسانية والباحثة في علم النفس الاجتماعي إلى أن “من محاور البرنامج الذي أطلقته الوزارة فيما يتعلق بالوكالة هو حماية الأطفال من جميع أشكال العنف والاستغلال”، مضيفة أن “الأطفال أو المراهقين الذين تعرضوا للاستغلال يُستدعون إلى المحكمة على خلفية الشكايات التي تقدمها أسرهم أو مؤسسات أخرى؛ غير أنهم لا يخضعون لرعاية نفسية أو متابعة”، منبهة إلى أن “إجراءات التقاضي تنتهي بالحكم على المعتدي؛ لكن دون الاهتمام بالمتابعة النفسية للأطفال، رغم حاجتهم الماسة إليها”.
وعبّرت بشرى المرابطي في النهاية عن تعويلها على مشروع الآلية الوطنية والوكالة سالفة الذكر، حتى لا نترك هؤلاء الأطفال يعيشون صدماتهم وآلامهم المتنوعة، مما يؤدي إلى أعراض قلق ما بعد الصدمة والاكتئاب، وذلك في غياب أي رعاية، خالصة إلى أن “هذا يشكل خطرا على مستقبل شخصياتهم، وتترتب عليه تكاليف نفسية واجتماعية واقتصادية عالية جدا على الأسر والمجتمع والدولة، يمكن أن تعفينا منها هذه المشاريع الطموحة”.