recent
آخر المواضيع

هل يؤدي ربط كليات الطب والصيدلة بوزارة الصحة إلى تجويد التكوينات؟

 
وسط مُشارفة أزمة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان على دخول شهرها الحادي عشر، لا تزال جمعيات وهيئات المجتمع المدني تبسط آراء ومُقترحات ترى أنها ليست كفيلة بطي هذه الملف فحسب؛ بل أيضا بمنع حدوث أخرى مُماثلة مستقبلا بهذه الكليات، من خلال “مُحاولتها الإجابة عن سؤال كيفية تجويد التكوين الطبي الذي هو مدار الأزمة الحالية”. واقترحت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة “ربط كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بوزارة الصحة، حتى لا تبقى معلقة بين قطاعين وزاريين، وللحصول على تجانس أكبر في التكوين الطبي وتطوير المستشفيات؛ مما يساهم في تجويد التكوين والخدمات الصحية على السواء”.

وتتمسّك الجهة المدنية التي تحدثت لهسبريس بهذا المقترح، إذ تدفع “بكون هذه الكليات تبدو وكأنها ‘مستقلة’ عن وزارة التعليم العالي؛ بالنظر إلى أن جزءا مهما من التكوين الطبي يتم داخل المراكز الاستشفائية الجامعية التابعة لوزارة الصحة”، وبأن “مسايرة كليات القطاع العام للتكنولوجيات الحديثة والرقمنة واعتماد الربوتيك في التداريب السريرية كما هو الحال بالنسبة لكليات القطاع الخاص لا يمكن أن يتم في ظل إشراف وزارة التعليم العالي، على اعتبار أن تركيز أطرها لا ينصب على مواكبة التطورات في مجال الدراسات الطبية أو أي مجال آخر لوحده”.

بالمقابل، رفض خبراء تربويون هذا المقترح، بالنظر إلى “كونه مخالفا للقانون الإطار الذي نصّ على القطع مع تشتيت مؤسسات التعليم العالي على القطاعات الحكومية، بعد لقاءات ومشاورات معمقة مع المتدخلين في المنظومة التربوية ومسؤولي هذه القطاعات خلصت إلى وجود سلبيات عديدة لهذا الشتيت”، متشبثين بأن “جميع الدول الرائدة في التعليم تجعل التكوين والبحث العلمي اختصاصا حصريا للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي، والتداريب التطبيقية تحت إشراف القطاعات الأخرى حسب كل تخصص على حدة”.

“عوامل عديدة”

علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، سجّل أن “المغرب في حال اتجه نحو جعل كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان تحت وصاية وإشراف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لن يكون قد أقدم على خطوة شاذة أو تجعل التكوين الطبي به يتمتع بخصوصية؛ بالنظر إلى أن العديد من دول العالم أخضعت هذه الكليات إلى السلطات الحكومية المكلفة بقطاع الصحة بها وكانت هذه التجارب ناجحة جودت من التكوين الطبي بهذه الدول ومن الخدمات الصحية بها أيضا”.

وأورد لطفي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بالمغرب، المُنظمة بالقانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، تبدو وكأنها ‘مُستقلة’ عن الوزارة الوصية، حيث تقتصر العلاقة بينهما على النظر والتشاور في ما يتعلق بالقوانين والمراسيم المنظمة للتكوين؛ في حين يرتبط جزء كبير من التكوين بهذه الكليات بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بالنظر إلى أن الطلبة تداريبهم السريرية يقضون في غالبية سنوات التكوين تداريبهم السريرية بالمراكز الاستشفائية الجامعية التي هي تابعة لهذه الوزارة”.

وأوضح رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة أن “هذا الوضع الملتبس والتشتت بين قطاعين يمتد إلى الأساتذة الذين يجدون أنفسهم مشتتين بين التدريس بهذه الكليات كموظفين لدى وزارة التعليم ويتقاضون أجرتهم الأساسية منها، والتأطير في المراكز الاستشفائية وبتعويضات هزيلة لا ترقى إلى مستوى أدوارهم ومجهوداتهم بهذه المراكز”.

وعدّ الفاعل المدني أن “أن أحد أسباب طول الأزمة الحالية لكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان وكذا أزمة إضراب سنة 2019 يتمثل في تبعية هذه الكليات لوزارة التعليم العالي؛ بالنظر إلى أن جزءا كبيرا من المطالب التي رفعتها هاتان الأزمتان ترتبط في نهاية المطاف بإتاحة الظروف المناسبة داخل المراكز الاستشفائية وكذا مناصب الشغل وهي نقاط تتصل باختصاص وزارة الصحة وليس وزارة التعليم”.

مواصلا دفاعه عن ربط كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بوزارة الصحة، أورد المُصرح ذاته أنه “في الوقت الذي تسير كليات الطب والصيدلة المنتمية إلى القطاع الخاص بسرعة مهمة على مستوى تجويد التكوين، لا سيّما مواكبة التكنولوجيات الحديثة واستدماج الذكاء الاصطناعي و اعتماد الروبوتيك على مستوى التداريب السريرية، لا تزال كليات القطاع العام التابعة للوزارة الوصية مُتخلفة عن كل هذه التطورات”، مُعتبرا أن “جعل كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بالقطاعين العام والخاص تحت وصاية وزارة الصحة سيجعل التكوين الطبي بها يساير مختلف هذه التطورات على اعتبار أن أطر ومسؤولي الوزارة يكون تركيزهم مواكبين لها، خلافا لنظرائهم وزارة التعليم العالي”، وفقه.

وأبرز لطفي أن “من بين ما يدعو إلى الاستغراب من بقاء كليات الطب خاضعة لوزارة التعليم العالي هو كون المعاهد العليا للمهن التمريضية التي تكون بدورها في تخصصات تنتمي إلى المنظومة الطبية، تحت وصاية وإشراف الصحة”، مُردفا أن “هذا يأتي أيضا في ظل كون مختلف المعاهد المكونة في تخصصات تعتمد أساسا على الجانب التطبيقي تابعة للسلطة الحكومية المدبرة لمجال هذا التخصص، كما هو الحال بالنسبة للمدارس الوطنية للهندسة المعمارية التابعة لوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة”.

“دفع نحو الوراء”

خالد الصمدي، الخبير التربوي وكاتب الدولة للتعليم العالي سابقا، رفض “ربط كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية؛ بالنظر إلى أنه مخالف لمقتضيات لقانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الذي نص على إلحاق جميع المؤسسات المرتبطة بالتكوين العالي بالسلطة الحكومية المكلفة للتعليم العالي بصفتها المختصة في التكوين والبحث العلمي وكذا منح وإصدار الشهادات العلمية”.

وأضاف الخبير التربوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مُختلف الدول تلجأ إلى جعل التكوين والبحث خاضعا لوزارة التعليم والتداريب التطبيقية بكل تخصص إلى القطاع الحكومي المرتبط بمجاله”.

وأضاف الصمدي أن “الاتجاه نحو إلحاق كل المؤسسات والمعاهد العليا بوزارة التعليم العالي جاء نتيجة مشاورات مُعمقة أجراها المجلس الأعلى للتربية والتكوين خلال إعداده الاستراتيجية الوطنية للإصلاح، تبيّن من خلالها عدم جدوى تشتيت هذه المعاهد على القطاعات الحكومية المنتمية إليها وانطوائه على سلبيات عديدة، باعتراف من مسؤولي هذه القطاعات أنفسهم. ولذلك، جرى إقرار هذا التوجه داخل الاستراتيجية وتحويله إلى مقتضى قانوني في القانون الإطار لاحقا”.

وشدد المتحدث عينه على أن “العمل يجب أن ينصب الآن على إلحاق المعاهد والمؤسسات التابعة لقطاعات أخرى غير قطاع التعليم العالي بهذا الأخير؛ ومن ضمنها المدرسة الوطنية للمعادن التابعة لوزارة الطاقة والمعادن، ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة التابع لوزارة الفلاحة… عوض الرجوع نحو الوراء”.

وأبر الخبير التربوي أن “دور وزارة الصحة في منظومة التكوين الطبي يجب أن يقتصر فقط على تدبير توفير فضاءات الجانب التطبيقي من تكوين “أطباء الغد”؛ بينما التكوين والبحث العلمي يبقى تحت إشراف ووصاية ‘التعليم العالي’ حصرا، مثلما أن الأساتذة بدورهم يمضون تكوينهم النظري بالمدارس العليا للتربية والتكوين وتكوينهم التطبيقي بالمراكز الجهوي لمهن التربية التابعة لوزارة التعليم العالي”.

ورفض الصمدي “الحديث عن وجود إهمال من قبل وزارة التعليم العالي لكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان يسوغ فك ارتباطها بالأخيرة؛ إذ يتم منحها المناصب المالية ودفاتر الضوابط البيدغوجية وتجهيز مختبراتها بتجهيزات متطورة، على غرار باقي المؤسسات الجامعية الأخرى”.

google-playkhamsatmostaqltradent