قال عز من قائل: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)) (سورة ص: آية 29).
من أعظم ما يتقرب به العبد المسلم إلى ربه تعالى تلاوة كتابه وحفظه وتدبره، وبالأخص تربية الأطفال منذ نعومة الأظفار وفي التعليم الأولي على العلم به والعمل به والدعوة إليه بارتياد الكتاتيب القرآنية ودور القرآن الكريم وحلقات الذكر إلخ، وقديما قيل: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه أبو داود والترمذي.
بالنسبة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ببلادنا، وحسب ما ورد في مختلف مواقعها الإلكترونية، يقصد بالتعليم الأولي المرحلة التربوية التي تتكفل بها المؤسسات التي يقبل فيها الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين أربع سنوات كاملة وست سنوات، ويهدف التعليم الأولي إلى ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الأطفال المغاربة قصد ولوج التعليم المدرسي وتيسير نموهم البدني والعقلي والوجداني، وتحقيق استقلاليتهم وتنشئتهم الاجتماعية، وذلك من خلال: تعليم ما تيسر من القرآن الكريم بالنسبة للأطفال المغاربة المسلمين؛ تعلم مبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الأخلاقية؛ تعلم القيم الوطنية والإنسانية الأساسية؛ تنمية مهاراتهم الحسية الحركية والمكانية الزمانية والرمزية والتخيلية والتعبيرية؛ التمرن على الأنشطة العملية والفنية؛ التحضير لتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية من خلال ضبط التعبير الشفوي، مع الاستئناس بالأمازيغية أو أي لهجة محلية أخرى، وذلك لتيسير الشروع في القراءة والكتابة.
على أية حال، يبقى من اللازم أو بالأحرى من الأفضل على الآباء والأمهات أن يحرصوا على تربية أبنائهم وبناتهم الصغار على هذا المنوال والنهج، وبعدها يبقى لهم الحق الكامل والاختيار الحر في اتباع المسار التعليمي- التعلمي الذي يناسبهم ويوافق أهواءهم ويتماشى مع إمكانياتهم وتصوراتهم، ولكل أسرة حريتها الكاملة في اختيار التعليم العمومي أو التعليم الخاص أو التعليم العتيق، أو الدراسة في البعثات الأجنبية لكل من يريد ذلك أو تستهويه ثقافات أخرى بعد مرحلة التعليم الأولي المشتركة بين كل المغاربة، فالأصل كما قلنا هو البدء بما هو أساسي كإرث مشترك وموروث ثقافي جماعي لكل المسلمين المغاربة ولكل أفراد الأمة الإسلامية، فنحن ولله الحمد نشكر آباءنا ومعلمينا جزيل الشكر على حرصهم الشديد على اقتيادنا في الصغر إلى الكتاتيب القرآنية، وبالرغم من دراسة الكثير منا لآداب وعلوم وفكر الآخر بتخصص في اللغات الأجنبية وآدابها لم نتأثر كثيرا بالثقافات الأجنبية، لأن الانطلاقة في التعلم كانت على الطريق الصحيح، وهو تلقيح روحي شرعة ومنهاجا.
وبما أننا أمة القرآن، يحق لنا التساؤل: ماذا عن دور المدارس القرآنية من مسيد وكتاتيب ودور القرآن ومدارس التعليم العتيق في تربية الناشئة؟ وما هي الأساليب والبرامج التربوية في الحلقات القرآنية لغرس المبادئ والقيم الإسلامية في نفوس أطفالنا والحفاظ على ديننا وتراثنا وحضارتنا ؟
يتفق كل مدرسي التربية الإسلامية بالعالم الإسلامي ومعهم المحبين على أن المدرسة القرآنية تغرس في نفوس الأطفال المبادئ والقيم الاجتماعية التي تساهم في بناء شخصيتهم لاحقا، وتساعدهم في التطلع إلى المثل العليا والأهداف الكبرى في الحياة، حيث يستمد المعلم القرآني برامجه في الحلقات التربوية من مجموع ما تفيض به ثقافة الأمة، ومما هو متوفر من معرفة يعتقد أنه أساسي في تكوين من يشرف على تربيته، وقد جاء القرآن الكريم ليربي أمة وينشئ مجتمعا ويقيم نظاما.
ونحن من هذا المنبر الكريم، نهيب بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، وبوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومعهما كل المهتمين، بإيلاء العناية الكاملة والمستحقة للتربية في التعليم الأولي لترتكز على تعلم القرآن الكريم حتى يتسنى لنا إعداد جيل قرآني قادر على تنزيل كتاب الله لنسعد بحضارة قرآنية ربانية تتزخرف بها الأرض وتتزين، وكما استقينا من أفواه العلماء، فـ إن الحق سبحانه وتعالى قد استخلفنا في الأرض من أجل أن نعمرها، ومن حسن العبادة أن نتقن كل عمل، وبذلك لا نقيم أركان الإسلام فقط ولكن نقيم الأركان والبنيان معا .
قال تعالى: ((حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ)) (سورة يونس الآية 24).