اعتبر الخبير التربوي، عبد الناصر الناجي، أن التأخرات التي وقف عليها المجلس الأعلى للتربية والتكوين بخصوص لجنة إصلاح منظومة التربية أو لجنة المناهج لما يزيد عن 3 سنوات يجعل عمل الحكومة، ممثلة في وزارة التربية الوطنية، خارج القانون في مسألة تفعيل إصلاح التعليم.
وربط الناجي، في حوار أجراه معنا، تخبط وزارة التربية الوطنية في تنزيل إصلاح حقيقي في قطاع التعليمي بـ رغبة الحكومة الحالية في القطع مع السياسات المتبعة من قبل الحكومة السابقة بحجة إرساء توجه سياسي جديد .
وفي ما يلي نص الحوار:
ألا يسائل تأخر اجتماعات اللجان التي أحدثها القانون الإطار 51.17 وتأخر إصدار العديد من النصوص التي تعتبر مستلزمات ضرورية لإعمال الإصلاح شعارات إصلاح قطاع التعليم؟
في البداية لابد أن نؤكد أن الإصلاحات السابقة كانت غير مؤطرة بالقانون، مما كان يسمح للفاعل السياسي المشرف على قطاع التعليم بوضع الاستراتيجيات التي يراها مناسبة حتى ولو تعارضت مع منطوق هذه الإصلاحات.
وعلى سبيل المثال، أذكر في هذا الجانب الميثاق الذي كان عبارة عن وثيقة توافَق عليها الفرقاء السياسيون، لكن بما أنها لم تتحول إلى قانون فإن درجة الالتزام بها لم ترق إلى المستوى المطلوب. ولتفادي هذه الوضعية، وما ترتب عنها من تراجع كل فاعل حكومي جديد عما انتهجه سابقه من سياسة تعليمية، بغض النظر عن صلاحها أو فسادها، ولكن فقط لوضع بصمته السياسية، تم تحويل الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم الممتدة إلى 2030 إلى قانون إطار ملزم لجميع الفاعلين وفي مقدمتهم الفاعل السياسي.
لكن اليوم، وعلى الرغم من إقرار قانون إطار ملزم، ما زلت التقارير تؤكد تأخر عدد من الإصلاحات لعدة سنوات
صحيح، فالجميع كان يتوقع أن يُحدث هذا الأمر تحولا عميقا في التعامل مع قضية الإصلاح، إذ ينبغي أن يتجلى (الإصلاح) أساسا في ترجمة التوجهات والمبادئ المتضمنة في القانون الإطار 51.17 إلى نصوص تشريعية وتنظيمية توجه الإصلاح وتؤطره وتفرض الالتزام به بقوة القانون.
أضيف هنا أن ما حصل هو العكس تماما، بحيث إن حكومة 2021 تراجعت عن كل ما خطته حكومة 2016 بارتباط مع القانون الإطار وانخرطت في تصور جديد للإصلاح متأثرة في ذلك بعاملين؛ الأول هو رغبة الحكومة الحالية في القطع مع السياسات المتبعة من قبل الحكومة السابقة بحجة إرساء توجه سياسي جديد، والعامل الثاني هو اعتقادها بأن لا إصلاح يمكنه أن يتم خارج ما أقره النموذج التنموي الجديد، بما في ذلك قطاع التعليم رغم أن إصلاحه مؤطر بالقانون.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية، كان هو مهندس النموذج التنموي فإن علاقته الوجدانية بالمنتوج تجعله حبيسا للتصور الذي جاء به في مجال التعليم رغم أنه لا يتناقض مع ما جاءت به الرؤية الاستراتيجية إلا أنه في المقابل يبقى مختزلا للإصلاح في بعض العناصر التي أقرتها الرؤية، مما ينزع عن الإصلاح صفة الشمولية والنسقية ويوقعه في فخ المقاربة الانتقائية والتجزيئية.
لكن تصور وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، لإصلاح التعليم لقي إشادة من طرف بعض المهتمين بالشأن التربوي، خاصة ما يتعلق بمشروع مدارس الريادة
أكيد، ولا يمكن أن ننسف المجهود المبذول من طرف الوزارة الحالية من أجل إصلاح أوضاع المدرسة العمومية المغربية، لكن إذا كان التركيز على المؤسسة التعليمية بوصفها الخلية الأساسية للمنظومة التربوية كما ذهبت إلى ذلك خارطة الطريق فإنه هذا المنطلق لا يتعارض مع تصور القانون الإطار للإصلاح، لكنه في المقابل، يحرمه من الحماية القانونية التي تضمن له التطبيق والاستدامة ويحرمه من التأطير المؤسساتي الواسع الذي تضمنه له الآليات المنصوص عليها في القانون الإطار وفي مقدمتها اللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التي لم تنعقد قط في ظل الحكومة الحالية.
ألا يعتبر تعطل اجتماعات هذه اللجان مخالفة لمقتضيات القانون الإطار وبالتالي يستوجب فتح تحقيق حول أسبابه وترتيب جزاءات لكل من ثبتت مسؤوليته في تأخير إصلاح تعليم أبناء المغاربة؟
بدايةً، إن المتأمل لسلوك الحكومة المجافي للقانون الإطار قد يطرح السؤال حول مدى التزامها بالقانون في مغرب يتبنى مبدأ دولة الحق والقانون. وفعلا إذا تمعنا في مضمون القانون الإطار وجدناه ينص على وضع النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيقه في أجل لا يتعدى ثلاث سنوات، وهو ما يعني أن هذا المقتضى القانوني كان يجب أن يتم منذ سنة 2022 على أبعد تقدير. لكن هذا ما لم ينفذ، الشيء الذي يجعل الحكومة خارج القانون في مسألة تفعيل إصلاح التعليم.
لكن إذا افترضنا أن الحكومة تريد تطبيق روح القانون الإطار بغض النظر عن مضامينه نظرا للكلفة الزمنية لإخراج نصوصه التنظيمية، فإن التزامها بالقانون من عدمه سيبقى رهينا بمدى نجاحها في تحقيق أهدافه الكبرى وفي مقدمتها تحسين جودة التعلمات في المدرسة المغربية. ويبدو ظاهريا على الأقل أن هذا التوجه الأخير هو الذي يتبناه وزير التربية الوطنية، وما يزكي هذا الطرح هو تصريحه في الندوة الصحفية المخصصة للدخول المدرسي الذي أشار فيه إلى أن المخطط التشريعي والتنظيمي للقانون الإطار سيأتي دوره بعد تعميم مدارس الريادة فيما سماه بمأسسة الإصلاح.
والأكيد أنه إذا كانت هذه المقاربة قد تبدو صالحة فيما يتعلق بالأمور التي تجربها الوزارة في المؤسسة التعليمية، فإنها لا تبدو كذلك فيما يتعلق بباقي مقتضيات القانون الإطار، خاصة ما يتعلق منه بالآليات البنيوية للإصلاح وهي كثيرة.
ألا يمكن أن يؤثر تأخر إرساء اللجنة الدائمة لمراجعة وملائمة المناهج والبرامج على قيمة وجودة محتوى المقررات الدراسية في التعليم العمومي المغربي؟
طبعا، فبعد خمس سنوات من التأخر تم تعيين رئيس وأعضاء هذه اللجنة، وحسب القانون الإطار يلزمها ثلاث سنوات لإعداد الإطار المرجعي للمنهاج والدلائل المرجعية للبرامج والتكوينات، وهو ما يعني أننا لن نتوفر على هذه الوثائق المرجعية سوى سنة 2027، أي بعد مجيء حكومة جديدة قد تأتي بتصورها هي أيضا، الذي قد يكون مخالفا لتصور الحكومة الحالية ما دامت أرست قاعدة الانزياح عن القانون المؤطر للإصلاح.
إلى جانب ذلك، فوزارة التربية الوطنية تجرب حاليا وصفة للمنهاج الدراسي في مدارس الريادة ستقوم بعرضها على اللجنة الدائمة للمصادقة عليها بعد تجريبها، وهو ما يفرغ هذه اللجنة نهائيا من الأدوار التي نص عليها القانون الإطار الذي سعى إلى منحها أدوارا طلائعية في إعداد المنهاج الدراسي وتوجيه مضامينه وليس إبقاء هذه الأدوار لدى مديرية المناهج في الوزارة.
الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الكتب المدرسية الذي منح القانون الإطار مهمة مراجعتها والعمل على تجديدها وملاءمتها بكيفية مستمرة، استنادا لنظام للتقييم والاعتماد والمصادقة، تضعه اللجنة الدائمة، ويعرض على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لإبداء الرأي بشأنه، غير أن الوزارة تمضي في اتجاه معاكس منذ صدور رأي المنافسة في الموضوع وكأن رأي هذه المؤسسة فوق القانون.