تمسك عميد كلية علوم التربية، عبد اللطيف كيداي، بما عرضه في لقاء علمي، نهاية الأسبوع الماضي في فاس، بخصوص “قطع المغرب خطوات هامة في مسار تحقيق جودة التعليم والنهوض بمهنة التدريس”، موضحاً أن “مسألة جودة التعليم هي موضوع مركب، تتداخل فيه العديد من العوامل التي تتطلب النظر إليها بشكل شامل ومتوازن”.
وضمن دردشة مع هسبريس، حملت فيها الجريدة مجموعة من التساؤلات التي شككت في هذا التصور في وقت تتخبط المؤسسة التربوية في معيقات عملية ومنهجية جمة، وفق خبراء، أكد كيداي أنه “لا يمكننا إنكار وجود تحديات حقيقية مازال النظام التعليمي المغربي يواجهها، سواء في ما يتعلق بمستوى المهارات الأساسية لدى التلاميذ أو ظاهرة الهدر المدرسي”.
ومع ذلك يعتبر المتحدث أنه “من غير المنصف أن نحصر النقاش في السلبيات فقط، دون الالتفات إلى الإنجازات التي تم تحقيقها، خاصة في السنوات الأخيرة”، موضحا أن “المغرب قام بخطوات حثيثة نحو تحسين جودة التعليم؛ من أبرزها الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، التي تركز على توفير تعليم جيد وشامل للجميع، وهي رؤية طويلة المدى تهدف إلى إحداث تغيير عميق في المنظومة التعليمية”.
وعرج الأكاديمي سالف الذكر إلى “القانون الإطار 17-51، الذي جاء لتفعيل هذه الرؤية، ويضع الأسس القانونية والمؤسساتية للإصلاحات اللازمة لتحسين جودة التعليم”، مضيفا أن “من بين المبادرات المهمة نجد الإجازات في التربية، التي جاءت لتكوين مدرسين مؤهلين تأهيلاً عالياً، حيث يخضعون لتكوين شامل في الجامعة، يشمل علوم التربية، البيداغوجيا، الديداكتيك، بالإضافة إلى تدريب عملي في المؤسسات التعليمية منذ السنة الأولى من تكوينهم”.
هذه الخطوة، وفقاً للمتخصص التربوي، “تعتبر قفزة نوعية مقارنةً بالتوظيف المباشر الذي كان سائداً في الماضي، وأثر سلباً على جودة التعليم على مستوى السياسات العامة”، وزاد: “جاء النموذج التنموي الجديد ليؤكد أن التعليم هو الركيزة الأساسية لأي مشروع تنموي طموح”، مسجلا أن “هذا النموذج وضع عدة إجراءات عملية لتحسين جودة التعليم، من بينها التركيز على تكوين وتحفيز المدرسين باعتبارهم الضامنين لنجاح التعلم”.
ولفت الأستاذ الزائر بجامعة “بادوفا” بإيطاليا إلى “تجديد المناهج والمحتويات التعليمية لتصبح أكثر ملاءمة للتحديات الراهنة والمستقبلية”، مشددا على أن “النموذج يهدف إلى تعزيز الحوكمة داخل المؤسسات التعليمية، ما يمنحها مزيداً من الاستقلالية والمرونة في إدارة مواردها وتحقيق أهدافها؛ والمغرب بدأ بالفعل تطبيق سياسات جديدة مثل المدن المهنية التي تهدف إلى ربط التكوين المهني بسوق العمل، وضمان اندماج فعلي وناجح للخريجين”.
وتابع المتحدث شارحاً: “هذه المبادرات تشكل نموذجاً مغربياً مبتكراً لتحقيق الجودة، إذ أصبح هناك تركيز واضح على تطوير رأس المال البشري بما يتناسب مع حاجيات الاقتصاد الوطني وسوق الشغل”، معتبرا أن “هناك ربما سوء فهم أحيانا وحساسية من كلمة الإصلاح، إذ يسود الاعتقاد لدى الناس عموما أنه كلما تحدثنا عن الإصلاح فهناك إخفاقات”، وواصل: “ما يجب التأكيد عليه أن مسلسل الإصلاح في التعليم لا يجب أن يتوقف”.
وهو يكرس رفضه “المقاربة العدميّة” أورد عضو اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم سابقاً أن “الإصلاح مستمر ويساير التطورات المتسارعة والتغيرات الكثيفة التي تحصل في مجال التكوين عموما، وهذا حال كل دول العالم، فقط ما يجب الحرص عليه أن تكون هناك رؤية واضحة تهدف إلى التحسين المستمر لمنظومتنا”، مؤكدا أن “العاملين في حقل التربية يلمسون اليوم هذه الجهود، لكن الأهم هو المشاركة الفاعلة في تحقيق الجودة”.
واستطرد المتحدث لهسبريس: “تحقيق الجودة عملية إجرائية وليست غاية في حد ذاتها. صحيح أن هناك تحديات، لكن من الضروري ألا نبقى سجيني تلك الخطابات التي تبخس كل الجهود، وتركز دائما على الإخفاقات دون الاعتراف بما يبذل على أرض الواقع”، خاتماً: “المغرب اليوم يواجه تحديات كثيرة نعم، لكن هناك مسارا مبنيا بشكل جيد من أجل تحسين مؤشرات الجودة في التعليم والنهوض بمهنة التدريس، وهذه الجهود تستحق الدعم والمواكبة بدلاً من الاقتصار على النقد السلبي”.