مع دخول أزمة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان شهرها العاشر، بدأ أساتذتها يخرجون عن صمتهم بخصوص هذه الأزمة خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتباينت مواقف هؤلاء الأساتذة تجاه إصلاح الدراسات الطبية، وخصوصا مدة التكوين التي لا تزال من النقط العالقة الرئيسية التي “تعرقل” التوصل إلى اتفاق بين الطرفين؛ بيْن من يعتبر قرار تقليص هذه المدة “تمّ بمقاربة غير تشاركية”، وبيْن يتمسك بأن “جميع الشؤون البيداغوجية بما فيها مدة التكوين هي اختصاص حصري للأساتذة ينبغي على الوزارة والطلبة على السواء عدم المزايدة فيه”.
جريدة هسبريس الإلكترونية عرضت هذا الموضوع على خالد الصمدي، الخبير في الشأن التربوي وكاتب الدولة السابق لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والذي أكد أن القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين يلزم السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي بإشراك اللجان البيداغوجية المكونة أساسا من أساتذة الكليات في عمليّة صياغة أي نص قانوني تعتزم إقراره.
وأبرز الخبير التربوي ذاته أن هذه اللجان البيداغوجية باتت، منذ صدور القانون رقم 01.00، تلعب دورا تقريريا وليس استشاريا؛ وبالتالي فإن “للجان البيداغوجية للأساتذة بكليات الطب والصيدلة في هذه الحالة الحقّ في تقرير مدة التكوين الطبي، وكان يجب إشراكها قبل اتخاذ هذا القرار وعموم القرارات الأخرى المرتبطة بإصلاح الدراسات الطبية”.
وبعد شهور طويلة من الأزمة ظلّت الأنظار خلالها تترقب موقف الأساتذة، قال أساتذة كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، مطلع أكتوبر الجاري، في بلاغ للمكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، إن “إصلاح الدراسات الطبية، بدءا بتقليص مدة الدراسة من 7 إلى 6 سنوات وانتهاء بحذف سنة من الدروس النظرية، قد تم بمقاربة غير تشاركية وأنجز بوتيرة متسرعة”.
والجمعة، 4 أكتوبر الحالي، قالت التنسيقية الوطنية للمكاتب المحلية للنقابة الوطنية للتعليم العالي بكليات الطب والصيدلة، في بلاغ، إن الشؤون البيداغوجية: مدة التكوين-طريقة التكوين-التقييم-السهر على الجودة، شأن خاص بالأساتذة الجامعيين بكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، ولا يسمح لأية جهة بالمزايدة عليه، داعيةً الطلبة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر إلى احترام هذا الاختصاص.
في هذا الإطار، بيّن خالد الصمدي أن “القانون الإطار رقم 57.17 وضع مسطرة واضحة لإعداد أي نص قانوني يتعلّق بمنظومة التربية والتكوين، وهي التي كان واجبا أن يخضع لها قرار تقليص مدة التكوين بكليات الطب والصيدلة”، لافتا إلى أن “الخطوة الأولى، بموجب القانون، هي قيّام الوزارة الوصيّة بعرض مسودة مشروع النص القانوني على اللجان البيداغوجية للكليات، المكونة أساسا من الأساتذة؛ لكي ينظر هؤلاء في ما جاء به هذا المشروع ومدى إمكانية تنزيله بالمؤسسات الجامعية المعنية”.
وأكد كاتب الدولة للتعليم العالي سابقا، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه اللجان لم تعد استشارية فقط، حيث منحها القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي صفة تقريرية؛ وبالتالي فإن ما يصدر عنها بخصوص جميع مسودات مشاريع النصوص القانونية المحالة عليها يجب أخذها بعين الاعتبار”، مُبرزا أنه “بهذا المعنى، فإن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد ارتكبت خطأ قانونيا بعدم إشراك أساتذة كليات الطب والصيدلة في قرار تقليص سنوات التكوين، ولو تمّ هذا الإشراك وكان هؤلاء قد أبدوا رفضهم له فإنه كان سيلزم الوزارة سحبه حتى التوافق بشأنه”.
واستدرك الخبير التربوي ذاته بالقول: “إن إشراك الأساتذة كان يجب أن يتمّ أيضا من خلال مشاورة النقابة الوطنية للتعليم العالي والنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي بشأن القرار الذي تمّ اتخاذه لكي تقوم هذه النقابات بتشجيع الأساتذة على الانخراط في صياغته وتنزيله”.
وأضاف الصمدي أن “مسطرة ‘الإشراك’، المحددة بموجب القانون الإطار، كانت تفرض أيضا عرض هذا القرار على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي من أجل قيام لجانه المختص بدراسته دراسة متأنية ومدى مسايرته للتجارب الدولية الرائدة، في تدريس الطب والصيدلة”، مُبرزا أن “الرأي الذي كان سيصدره المجلس كان سيمكن الحكومة من إدخال تعديلات ستجوّد القرار بكل تأكيد”.
وحاولت جريدة هسبريس الإلكترونية، مرارا وتكرارا، الاتصال بمصدر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار من أجل الحصول على رد الوزارة بهذا الخصوص؛ إلا أنه لم يتسنّ لها ذلك.