يبدو أن الفرحة التي عبر عنها طلبة الطب ومعهم فئة كبيرة من الذي تتبعوا حلقات مسلسل أزمة كليات الطب بعد توافق المحتجين والوزارتين المعنيتين على حل ينهي الاحتقان، الذي دام لقرابة 11 شهرا، تخفي وراءها تحديات كبيرة لاستدراك الزمن الجامعي وتعيد طرح السؤال حول المسؤول عن هدر قرابة موسم جامعي في المسار التكويني لـ أطباء الغد .
وبمجرد الإعلان عن توقيع طرفي الأزمة لاتفاق ينهي حوالي 44 أسبوع من الاحتجاج والانقطاع عن حضور الدروس النظرية والتدرايب الميدانية، تصاعدت عدد من التساؤلات حول المتغير الذي جعل الطلبة يقنعون بحلول الوزير الجديد، عز الدين ميداوي، بعدما ألفوا رفض حلول الوزير السابق، عبد اللطيف ميراوي.
خالد الصمدي، خبير في مجال التربية والتعليم وكاتب دولة سابق مكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، اعتبر أنه في مراحل سابقة لم يتوان جميع المتتبعين لهذه الأزمة التي دامت عشرات الأسابيع بأن يحذروا من تأخر إيجاد حل ينهي الاحتقان في الكليات العمومية للطب وأن كل تأخر سيؤدي المجتمع بأكمله ثمنه ، مشيرا إلى أن الرسالة كانت توجه بالدرجة الأولى إلى المسؤولين المدبرين لقطاع التعليم العالي والصحة والحماية الاجتماعية .
وأضاف الصمدي، في تصريح لنا، أنه في المقابل فإن جزء من المسؤولية عن كل هذا الزمن المهدور يتحملها الطلبة المحتجون ، مبرزا أنه لطالما نادينا (أطباء المستقبل) إلى الاشتغال بمنطق خد وطالب وليس بمنطق شيء أو لا شيء .
واعتبر المسؤول الوزاري السابق أنه لو تم العمل على تنازل كل طرف ومحاولة إيجاد سبل التوافق منذ بداية الأزمة لما احتجنا اليوم إلى مجهود للتفكير في طرق تعويض الزمن الجامعي في وقت وجيز والحرص على عدد المساس بجودة التكوين اللازمة لإخراج أطباء في مستوى التحديات التي تنتظر بلادنا على مستوى قطاع الصحة .
وأكد الصمدي أن الصيغة التي كانت تدبر بها جولات الحوار بين الطلبة ووزارة التعليم العالي هي صيغة حوار الصم والبكم بمعنى أنه لم يكن هناك نقط التقاء واستعداد للتنازل لا من طرف القطاعات الحكومية المعنية ولا من طرف الطلبة ، معتبرا أن سبب هذا الاختلاف هو غياب التواصل والإنصات اللازمين وبالتالي العجز عن إيجاد حلول كفيلة بإنهاء الاحتقان .
وبعد انفراج الأزمة ورجوع الطلبة إلى مقاعد الدراسة، اعتبر المتحدث ذاته أنه يجب التمييز بين فئتين وهما طلبة السنة الأولى والثانية الذين سيكنون أمام تحدي استدراك دروس معظمها نظرية وبالتالي يمكن استدراكها بدروس مكثفة في المدرجات أو باللجوء إلى التعليم عن بعد .
واعتبر كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، أنه بالنسبة لهذه الفئة فلن يكون هناك إشكال إذا تم العمل على تكثيف التكوينات عن طريق أسلوب التكوين المزدوج ما بين الدروس الحضورية والحصص الرقمي .
وفي ما يتعلق بالدروس التطبيقية والتداريب الميدانية، بالنسبة للفئة الثانية التي تضمن طلبة السنة الثالثة وحتى فوج السنة السادسة، أشار الصمدي إلى أنه يمكن أن نستدرك الدروس النظرية بالنسبة لهؤلاء الطلبة في حين سيطرح إشكال على مستوى التداريب الميدانية والسريرية .
ولفت الصمدي إلى أن استدراك التداريب الاستشفائية لن يتم إلا عبر إقرار برمجة خاصة لاستفادة الطلبة المعنيين من عدد الساعات المطلوب في هذا النوع من الدروس ، مشددا على أن نجاح هذه الخطوة يتطلب بدل مجهود كبير جدا على مستوى تكثيف دورات التكوين .
وتابع المصدر ذاته أن هذا الخيار إذا عملت به الوزارة فإنه سيطرح إكراه على مستوى ميادين التداريب الاستشفائية، ليس على الصعيد الوطني وإنما في بعض المناطق ككلية الطب باالرباط ، مشيرا في هذا الجانب إلى أنه في الرباط مثلا فإن المستشفى الجامعي السويسي في طور الإصلاح وإعادة الهيكلة وبالتالي صعوبة استقباله لعدد كبير من الطلبة بالإضافة إلى توافد طلبة الكليات الخاصة في تخصص الطب والصيدلة .
وأكد الصمدي أن تكثيف الدروس التطبيقية لاستراك هذا التأخر سيؤدي إلى اكتظاظ شديد جدا في المستشفيات الجهوية على وجه التحديد ، داعيا وزاريتي الصحة والحماية الاجتماعية والتعليم العالي إلى التفكير في ابتكار حلول بمنظور جهوي أكثر من التدبير الوطني المركزي .
ومن بين الحلول الفعالة التي اشار إليها المسؤول الوزاري السابق في قطاع التعليم العالي، أورد الصمدي أنه يمكن أن تستند الوزارة في مواجهتها لإكراه الاكتظاظ التي سيلحق المستشفيات الجامعية إلى مراكز المحاكاة ، مبرزا أن كل مركز يكلف الدولة تقريبا خمسين مليون درهم .
واعتبر المصرح نفسه أنه إذا تم تجهيز كل كلية طب بهذه المراكز فكيمكن أن نعتمد عليها لتسريع التكوينات التطبيقية وبالتالي التداريب سنصبح مطالبين فقط بتدبير استفادة الطلبة من التداريب الميدانية السريرية لكي نتجاوز هذه الأزمة التي تسبب فيها غياب التوافق وتأخر التنازلات من الطرفين .