اختار الروائي والشاعر محمد الأشعري لحظة تكريمه في موسم أصيلة الثقافي الدولي والاحتفاء بمنجزه الأدبي والثقافي في خيمة الإبداع، التي خصصتها الدورة الخامسة والأربعون له، من أجل إطلاق صرخة مدوية دعا فيها إلى مقاومة الاحتقار الذي تتعرض له اللغة العربية في المغرب.
وقال الأشعري، في رسالة لا تخلو من دلالات، مساء أمس الأربعاء، “إننا نحتاج إلى جَعل الأدب بصفة عامة، والشعر بصفة خاصة، سورا لمقاومة الاحتقار الذي تتعرض له اللغة العربية في بلادنا، والاستخفاف الذي تُعامل به مؤسسيا وثقافيا واجتماعيا”.
وأضاف الأشعري أنه دأب على كتابة الشعر منذ عقود وعلى كتابة الرواية من حين إلى آخر والقصة القصيرة، كما جرب كتابة المسرح والمقالة الصحافية، وفي كل ذلك، كان لديه دائما هاجس يتعلق باللغة العربية التي يكتب بها، حيث أكد أنها “لغة أعشقها وأتمنى أدبيا وإنسانيا أن أخلق فيها لغتي الخاصة”، معتبرا ذلك “منتهى طموح كل أديب، هو أن يخلق في اللغة التي يكتب بها لغة الخاصة”.
وزاد الأشعري موضحا، أمام عدد من النقاد والمثقفين الذين قدموا قراءات في أعماله: “هذا عمل لا يمكن أن نحدد له سقفا زمنيا خاصا؛ نشتغل عليه من الحرف الأول الذي نخطه إلى الحرف الأخير، وذلك ما أحاوله”، مبرزا أن الشعر “لا يكتب فقط باللغة، واللغة وحدها لا تستطيع أن تتنج كل انتظاراتنا الشعرية”.
كما أشار المحتفى به إلى أن المواضيع المتعلقة بالذاكرة وبالخيال المشترك تسكنه، ومضى مفصلا: “الذاكرة لأننا في ثقافة تنسى كثيرا وتمحو كثيرا، وكلما استطعنا أن نستعين به لنحمي ذاكرتنا المشتركة، كلما استطعنا أن نحمي أنفسنا من النسيان”.
وأفاد الأشعري بأن حديثه عن الخيال المشترك يمليه الوضع الراهن، الذي بتنا نعيش فيه تحت “استبداد الوسائط الحديثة” التي قال إنها “تحشر أدمغتنا بملايين الصور والأخبار والتعليقات وحتى المشاعر التي لا تمت إلينا بصلة”، مشددا على أنه إزاء هذا الاجتياح “الخطير؛ فإننا مطالبون جميعا بإنتاج خيالنا المشترك الذي يمكن اعتباره منطقة محررة لعقولنا، وليس من السهل في هذا الزمن بالذات أن نحصن هذه المناطق المحررة”، وفق تعبيره.
وخص الروائي والكاتب المغربي محمدا بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، بشكر خاص، معتبرا أن علاقة صداقة تمتد لعقود من الزمن تربطهما، وأكد أن منتدى أصيلة منذ سنوات وهو “يكرس هذا التقليد الجيد، الذي لا يلجأ إلى تكريمات ظاهرية جوفاء؛ بل يستدعي المنجز الأدبي والفكري لعدد من الفاعلين الثقافيين ببلادنا، ويفرد له مساحة للحوار”.
واعتبر الأشعري أن هذا الحوار “أساسي أولا وقبل كل شيء للكاتب، لأن في مرآته يتعرف على حدود نصوصه وعلى إمكانياتها اللامحدودة”، لافتا إلى أنه مع تقدمه في العمر “ما زال هنالك متسع للإنصات الذي نقوم به لهذه القراءات وما زال هنالك متسع لإصلاح الزلات والأخطاء واكتشاف آفاق جديدة في الكتابة التي تبقى معينا لا ينضب أبدا”.
كما نوه المحتفى به بالجهد الذي يقوم به موسم أصيلة من ترسيخ في حقلنا الثقافي “تراكما لا غنى عنه، في دراسة تحولاتنا الأدبية حالا ومستقبلا”، مؤكدا أن المنتدى، على خلاف كثير من المؤسسات بالمغرب، اشتغل بالأساس على “البعد العربي في الهوية المغربية، ومد جسورا قوية مع الساحات الثقافية في كل أنحاء الوطن العربي”، معتبرا أن هذه الساحات ارتبطت بأصيلة ارتباطا “ثقافيا وإنسانيا وجماليا”، حسب رأيه.
وشهد ختام خيمة الإبداع، التي جرى فيها الاحتفاء بالكاتب ووزير الثقافة السابق، تسليم تذكار ودرع خاص بالمناسبة للأشعري من طرف بن عيسى، الذي ثمّن الجهود والإبداعات التي راكمها المحتفى به في المشهد الثقافي والأدبي المغربي على مدى عقود من العطاء والإبداع.