بعد أن قرر هشام أوباها، شاب مغربي من مدينة حد السوالم، السنة الماضية، ترك مقعده الجامعي بشعبة الأدب الإنجليزي، ومطاردة شغفه في مجال البرمجيات وعلوم الحاسوب، لم يتردد في قصد مدرسة “Youcode” المتخصصة في مجال البرمجة، بمدينة آسفي؛ فهي الوحيدة بالمغرب التي لا تجعل طبيعة التكوين الدراسي أو الجامعي أدبيا كان أم علميا يقف عائقا يصد الراغبين في تملك تكوين رصين في هذا المجال عن ولوجها؛ بل إنها إلى جانب ذلك، وبخلاف السائد، تمنحهم فرصة “تكوين أنفسهم بأنفسهم”.
هذه المدرسة غير المتفردة من حيث طريقة التكوين عبر بيداغوجية التنشيط (La Pedagogie active) فقط، بل أيضا من حيث حظوظ متدربيها المرتفعة في الظفر بفرصة عمل في شركات كبرى بالميدان، حتى قبل نهاية مدة تكوينهم، مثل شقيقتيها مدرستا “Youcode” بكل من مدينتي اليوسفية والناظور، ما هي إلا إحدى المبادرات المواطنة لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، التي تنشد من خلالها الانخراط في توفير عرض تكويني واسع وجيد للشباب في الميدان المعلوماتي، فضلا عن إدماجهم في سوق الشغل وتحفيزهم على خلق مقاولات مغربية رقمية ناشئة.
خرجت هذه المدرسة إلى حيز الوجود سنة 2019، بعد أن افتتحت قبل ذلك بسنة “Youcode” اليوسفية، بشراكة بين المكتب الشريف للفوسفاط ومقاولة “SIMPLON” الفرنسية الاجتماعية الساعية إلى دمقرطة الوصول إلى المهارات الرقمية والمعلوماتية من خلال دوراتها التكوينية في التطوير المعلوماتي والذكاء الاصطناعي والرقمنة بعدد من دول العالم. فيما أبت هاتان المؤسستان إلا أن تفتتحا، هذه السنة، مدرسة ثالثة بمدينة الناظور تحديدا، “في خطوة تكرس رغبتهما في تقريب التكوين في البرمجة والتطوير المعلوماتي من المدن التي تفتقر إلى عرض تكويني في هاته المجالات”.
وبالمجان يمكن لجميع الشباب المغربي ما بين 18 و30 سنة ولوج مقاعد التكوين بهذه المدرسة الذي يدوم سنتين؛ وتضم حاليا ما يصل إلى 220 متكونا، يتوزعون على السنة الأولى التي سيتلق خلالها متدربوها أساسيات تكنولوجيا المعلومات والبرمجة على امتداد ثمانية أشهر، يقضون بعدها شهرين من التدريب، ثم السنة الثانية التي سيستفيد خلالها متدربوها من سبعة أشهر من التكوين في تخصصات دقيقة مختارة حسب متطلبات سوق الشغل، وثلاثة أشهر كتدريب.
مؤهلات بيداغوجية متفردة
داخل إحدى فضاءاتها سرد عادل بلخدير، مسؤول المشاريع بـ”Youcode”، جملة من مميزات هذه المدرسة عن الأخريات المتخصصة في مجال البرمجة وعلوم الحاسوب بالمغرب، موردا أنها “متحللة من الطريقة الكلاسيكية في التكوين؛ فالأستاذ فيها ليس سوى موجه، يصاحب المتدربين أثناء إنجازهم مشاريع البرمجة، في إطار مجموعات؛ يلفت انتباههم إلى الأخطاء المسجلة، لكنه لا يقدم حلولا أبدا”، وزاد: “هذه فلسفة ببيداغوجية التنشيط، التي تجعل المتكون محور العملية التكوينية”.
وأضاف بلخدير، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الطريقة تمكن من تزويد المتكون بالكفاءة لا المعرفة؛ فالأولى هي التي تهم في مجال المعلوميات، لأنه سريع التطور في نهاية المطاف”، موضحا أنها “تؤهل المتكون لما يصبح خريجا، للتكيف والتأقلم وإتقان الاشتغال بأي لغة برمجة يشتغل بها في الشركة التي ستحتضنه”.
وحاليا فإن متكوني هذه السنة، وفق مسؤول المشاريع بـ”Youcode”، يتوزعون على تخصصات تهم أساسا لغتي البرمجة “full stack java angular” و”full stack javascript”؛ بالإضافة إلى تخصص “Data”، “وجميعها اختيرت بناء على حجم الطلب عليها من قبل المقاولات الناشطة في الميدان المعلوماتي”، مشيرا إلى أن “رهان المدرسة ليس كم من متكون دربت، بل كم من متكونيها نجح في الحصول على عمل”، ومؤكدا أنه “تم سنة 2023 إدماج ما يصل الى 94 في المائة من الخريجين في سوق الشغل”.
مهمة التنقيب عن فرص التدريب أو الشغل المتاحة لمتكوني وخريجي المدرسة يتولاها وفق ما أكدته هند البرنوصي، مديرة التواصل بمدرسة “Youcode”، إطار بالمدرسة يسمى الوسيط بين المقاولات CME، “تمكن معلوماته المستقاة من التواصل مع هذه الأخيرة وزيارتها بشكل دوري، وتمكن إدارة المدرسة أيضا من تكوين نظرة حول التخصصات الدقيقة التي سوف تعتمدها خلال السنة الثانية، باستحضار وجود الطلب عليها في سوق الشغل من عدمه”.
وأشارت المسؤولة عينها، في تصريح لهسبريس، إلى أن “علاقة المدرسة بالمقاولات تطورت خلال الموسم التكويني الماضي، إذ باتت الأخيرة تلجأ إلى انتقاء عينة من الطلبة منذ السنة الأولى، وتعبر عن رغبتها في تكوينهم في تخصص/ لغة برمجة معينة خلال السنة الثانية في التخصص الذي تشكو خصاصا فيه، على أن تتعاون في توفير أطر لتكوينهم، وتُشغلهم حال تخرجهم”.
أما عبد العزيز آيت حساين، مدير مدرسة “Youcode” آسفي، فسرد، إضافة إلى تأكيده هذه المعطيات، قصصا مختلفة، تؤكد “تميز المدرسة بعدم وضع حدود في الولوج إليها؛ إذ هناك متكونون كانوا يتابعون دراستهم بشعب الأدب العربي أو القانون، وخريجة ولجت المدرسة بعد أن كانت تتابع دراستها بسلك الدكتوراه، وهي الآن تشتغل بأحد الشركات البارزة في الميدان المعلوماتي”، مشددا على أن “المدرسة لا تشترط مستوى معينا للراغبين في ولوجها في البرمجة، بل هي تتولى تمكينهم بعد قبولهم من كل الوسائل التي تجعلهم منتجا نهائيا تنافسيا قادرا على ولوج سوق الشغل”.
التميز يحفز الطموحات
جريدة هسبريس الإلكترونية ولجت قاعات التكوين بالمدرسة؛ حيث لا صوت يعلو على صوت الرقن، وجميع المتكونين منهمكون في مشاريعهم البرمجية. ومن إحدى هذه القاعات أوضح حسني مشتاد، أستاذ مكون بالمدرسة، أنه على غرار باقي زملائه لا يقوم سوى بتأطير مشاريع المتكونين ومصاحبتهم؛ بعد أن يكون ناقش مع كل واحد منهم خلال الاجتماع اليومي الصباحي ما أنجزه في مشروعه أمس وما سينجزه اليوم، وما إذا كان يواجه أي صعوبات على مستوى الإنجاز.
“يعقب هذا الاجتماع قيام المتكون بعرض ‘اليقظة التكنولوجية’، الذي يقدم فيه موضوعا متصلاً بمجال البرمجة وعلوم الحاسوب”، يتابع الأستاذ المكون في تصريحه لهسبريس، لافتاً إلى “غياب التنقيط لهذه العروض أو المشاريع التي قد يدوم الاشتغال عليها أسبوعا أو أكثر أحيانا، حسب درجة تعقدها، بل يتم فقط تقييم مدى تمكن المتكون من المهارات”.
ويرغب الطالب هشام أوباها في “متابعة التكوين خلال السنة الثانية في تخصص “full stack javascript”؛ رغم أن التخصصات تتبدل حسب متطلبات السوق الشغل”، وفق ما أسرّ للجريدة، مردفا: “أطمح إلى الاشتغال بإحدى الشركات الكبرى من أجل صبّ ما تعلمته من مهارات بها، واكتساب التجربة والخبرة، في أفق فتح مقاولة خاصة بي في هذا المجال”.
أما خلود صناك، وهي طالبة في السنة الثانية تخصص “full stack java aurgulaire “، فقالت: “اخترت المدرسة لأنها من حيث المبدأ مقاولة قائمة وليست مؤسسة تكوينية فقط، ففيها نشتغل على مشاريع تحاكي تلك التي يعكف عليها المتخصصون في البرمجة وعلوم الحاسوب بالشركات. إنها مدرسة لا تكتفي بتزويدنا بالنظريات فقط بل تتيح لنا التمكن من مهارات تقنية مطلوبة في سوق العمل”.
وتطمح المصرحة لهسبريس إلى أن تتمكن بدورها بعد أن تتخرج من المدرسة بعد أشهر من “الظفر بالعمل مقاولة رائدة مختصة في Back end”، موردة: “يستهويني كل ماهو java أو متعلق بالأمن المعلوماتي”، مشاطرة هي الأخرى طموح أوباها في “إنجاز مقاولة خاصة بعد فترة كافية من التجربة الميدانية”.
المدرسة تأبى كذلك إلا أن تحقق طموحات طلبة أفارقة جنوب الصحراء في تملك تكوين قوي في مجال البرمجة وعلوم الحاسوب، ومن بينهم السنغالي موسى نياي، المتكون بالسنة الأولى، الذي قال لهسبريس: “ما جذبني لهذه المدرسة هو تبنيها طريقة بيداغوجية مبتكرة، وما طالعته من شهادات كثيرة في هذا الجانب وبخصوص دورها في تشغيل مئات المتكونين في هذا المجال في منشورات على موقع التواصل الاجتماعي إكس”.
وكشف المتكون السنغالي أن “المدرسة تتيح حرية تامة للمتكون في إنجاز مشاريع البرمجة وتطوير مهاراته في هذا المجال، ما يجعل الكثير من الفرص الواعدة تنتظره”، وزاد: “سأقوم بعد حصولي على شهادة التخرج بالتنقيب عن عمل بإحدى الشركات الرائدة في المغرب؛ قبل أن أعود إلى وطني للاشتغال به فترة ما، ثم الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية؛ هناك سأتقاسم ما اكتسبته من مهارات وسأتزود بأخرى، فمجالنا لا يعرف الحدود”.