لم تخفت بعد الزوبعة التي خلفتها المذكرة الوزارية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بتنظيم قيام أساتذة التعليم العمومي بساعات إضافية في مؤسسات التعليم الخاص ومدى انضباطها لمضامين القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التي حددت مدة أربع سنوات لتوفير حاجاتها من الأطر التربوية والإدارية المؤهلة والقارة.
وفتحت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، كعادتها في كل موسم دراسي، أبواب مؤسسات التعليم الخاص أمام أساتذة المدارس العمومية من أجل القيام بساعات إضافية، مشترطةً على الأطر التربوية الراغبة في الاستفادة من هذا الخيار تقديم ترخيص أولي وعدم تجاوز عدد الساعات التي يمكن الترخيص بها ثماني (8) ساعات في الأسبوع لكل أستاذ.
وأمام مرور قرابة 5 سنوات على دخول القانون الإطار 51.17 حيز التنفيذ، استغرب متتبعون للشأن التربوي استمرار وزارة التربية الوطنية في التسامح مع هذه العادة والتعاون مع مؤسسات التعليم الخاص بالترخيص لعدد من الأطر التربوية بالمزاوجة بين الوظيفة العمومية والقيام بساعات إضافية في مؤسسات التعليم الخاص حتى بعد نهاية التي وضعها القانون للأخير من أجل سد خصاصها من الأطر التربوية والإدارية.
تراخيص تُعطِّل الإصلاح
الحسين زاهدي، الخبير في الشأن التربوي والتعليمي، قال في تعليقه على الموضوع إنه لا أفهم كيف تتمادى السلطات الحكومية المختصة بالتربية والتكوين في تجاهل وتعطيل القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ، مشددا على أن المشرع اعتبر هذا القانون بمثابة إطارِ تعاقدي استراتيجي مُلزِمِ للجميع .
وسجل الخبير في الشأن التربوي، في تصريح لنا، أن نُفاجأ اليوم بقرارات وسياسات تكرس هشاشة المدرسة العمومية عوض تفعيل المادة 13 التي تنص بوضوح على أنه يتعين عل مؤسسات التربية والتكوين التابعة للقطاع الخاص أن توفر حاجاتها من الأطر التربوية والإدارية في أجل لا يتعدى أربع سنوات من تاريخ صدور القانون الإطار في الجريدة الرسمية .
واستغرب المتحدث ذاته وضع وزارة التربية الوطنية لمقدراتها في خدمة القطاع الخاص الذي لم يبذل أي جهد لتوفير موارد بشرية جيدة ، مؤكداً أنه المادة 44 من القانون الإطار تحدد مساهمة القطاع الخاص في تطوير منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والرفع من مردوديتها وتمويلها وتحسين جودتها إلا أن العكس تماما هو ما يحصل اليوم .
وأورد الزاهدي أن الاشتغال بمثل هذه المذكرات لا يرتبط بالخوصصة وإنما هو موضوع مرتبط بالدرجة الأولى بتعطيل الإصلاح في المدرسة العمومية ، مبرزا أن المشرع حينما صادق على القانون الإطار 51.17 فإنه قد أنهى منطق الإصلاح وإصلاح الإصلاح .
وزاد الخبير ذاته موضحا أنه بعد أربع سنوات من دخول هذا القانون حيز التنفيذ لم يعد من المقبول نهائيا أن تلجأ هذه المؤسسات التعليمية الخاصة إلى المواد البشرية في المؤسسات العمومية ، مشيرا إلى أن ما يصدر اليوم فيه خرق للقانون وتجاوز للإصلاح .
تأثيرٌ على مردودية المدرس العمومي
من جانبه، اعتبر الخبير التربوي، عبد الناصر الناجي، أن هذه المذكرة ليست جديدة لأن الوزارة دأبت على إصدارها كل سنة في إطار تقنين عملية استعانة مؤسسات التعليم الخاص بأساتذة التعليم العام بما يضمن استمرارية الدراسة العادية في مؤسسات التعليم الخاص دون الإضرار مبدئيا بحقوق تعلم تلاميذ التعليم العمومي .
وأوضح الناجي، في تصريح لنا، أن صدور هذه المذكرة بعد مرور خمس سنوات على دخول القانون الإطار حيز التنفيذ يطرح مشكلة الوفاء بمقتضيات هذا الأخير .
وواصل المهتم بالشأن التعليمي بالقول إن القانون الإطار ينص على ضرورة أن يحقق التعليم الخاص اكتفاءه الذاتي من أطر التدريس مما يعني عدم الاعتماد نهائيا على الأساتذة الذين يدرسون بالتعليم العمومي .
وشدد الناجي على أنه رغم كون المذكرة تضع مجموعة من الشروط التي من شأنها أن تضمن حداً أدنى من الجودة في مدرس التعليم العمومية الذي يدرس في التعليم الخاص فإن عددا من المدرسين ومن مؤسسات التعليم الخاص لا يلتزمون بهذه الشروط في ظل غياب أو ضعف المراقبة من الوزارة الوصية وهو ما يؤدي في عدد من الحالات إلى تأثر تلامذة التعليم العمومي من ضعف مردودية بعض المدرسين الذين يبالغون في الالتجاء إلى التدريس في التعليم الخاص .