هشام أجانا، مفتش الثانوي التأهيلي مادة الرياضيات.
كما هو معلوم، تبنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في إطار التجريب، التدريس الصريح والدعم طارل بالسلك الاعدادي.
فمن خلال التكوينات التي تم تنظيمها في هذا الصدد إضافة بعض اراء المنتمين إلى حقل التربية والتكوين ( مدرسون، مفتشون، مكونون بالمراكز، خبراء في الميدان،..)، يبدو في نظري الشخصي أن التدريس الصريح غير مجدي بالنسبة للسلك الإعدادي للعديد من الاعتبارات أهمها :
أولا : هناك شبه إجماع على أن أهم مرحلة في تدريس الأطفال هي السلك الابتدائي وقبله التعليم الأولي .. وهو ما معناه أن مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ بالسلك الاعدادي مرتبط أساسا بما تعلموه بالسلك الابتدائي.
فلو كان السلك الابتدائي يصدر تلاميذ جيدين إلى السلك الإعدادي في مواد الرياضيات والعربية والفرنسية (التعلمات الأساس)، لكانت نتائج السلك الإعدادي أفضل بكثير مما عليه الٱن.
ثانيا : إذا كان هدف التعليم الصريح يهم بالأساس التلاميذ المتعثرين حسب رأي المتتبعين والمهتمين بالقطاع، فثمة أمر جوهري يهم مصير التلاميذ المتميزين و الجيدين أو المتوسطين الراغبين في التميز.
قد يقول قائل أن التلاميذ المتميزين والجيدين بالسلك الإعدادي قليلون ويشكلون فقط نسبة 25 بالمائة وهذا الكلام غير سليم على اعتبار أنه لو كان التعليم الابتدائي يصدر للتعليم الاعدادي تلاميذ جيدين، لتغيرت النسبة وأصبح عدد المتميزين أو الجيدين يشكلون أكثر من النصف.
ثالثا : تصوروا معي العديد من مفتشي وأساتذة الرياضيات بالسلكين الاعدادي والتأهيلي بالإضافة إلى أساتذة التعليم العالي ألفوا مراجع ممتازة في الرياضيات بالسلك الاعدادي وتم ذلك وفق تصورات ومقاربات بيداغوجية وديداكتيكية حديثة تتضمن كل ما يحتاجه التلاميذ خاصة المتميزين والجيدين. كما تم إصدار المقرر الاولمبي لمادة الرياضيات والذي تم خلاله وضع برنامج موازي للمقررات الدراسية يهم تهييء تلاميذ السلك الإعدادي على التحضير الجيد للاولمبياد اقليميا، جهويا ووطنيا. وعليه فلو توفرت البنيات التحتية الضرورية وتم تزويد الثانويات بأحدث التجهيزات الرقمية وتوفير مكتبات مجهزة بكل ما يلزم من مراجع حديثة متنوعة وعدة بيداغوجية رقمية، بالإضافة إلى محاربة الاكتظاظ من خلال أقسام تضم أقل من 28 تلميذا وتحفيز الأطر الإدارية والتربوية، لكانت النتائج أفضل بكثير مما هو عليه الوضع الآن.
رابعا : لقد وضع المشرع المغربي التعليم الإلزامي في حدود نهاية السنة الثالثة إعدادي، ومن خلاله يتم تحديد التوجيه المناسب لكل تلميذ. وعليه، فعندما يتلقى التلميذ تعليما جيدا في أهم المعارف والمهارات الأساسية بالسلكين الابتدائي والاعدادي، فإن دور التوجيه هو تحديد المسار الدراسي أو المهني المناسب لاستكمال التكوين بعد نهاية التعليم الالزامي. فهناك من سيتم توجيهه إلى مسالك العلوم والتكنولوجيا حيث للرياضيات والعلوم واللغات أهمية قصوى في التكوين وهناك من سيتم توجيهه إلى مسالك الادبية والعلوم الإنسانية حيث للمواد الأدبية واللغات الحية أهمية قصوى في التكوين وأخيرا هناك من سيتم توجيهه إلى المسالك المهنية. وهنا يطرح السؤال : ما الفائدة من التدريس الصريح وإعداديات الريادة عموما؟ هل جميع التلاميذ لديهم ملكات وميولات تجاه الرياضيات؟ أين دور التوجيه المدرسي بعد نهاية السلك الإعدادي ؟
خامسا : إن السؤال الجوهري الذي يجب استحضاره عند تبني أي إصلاح تربوي أو مقاربة تربوية بيداغوجية هو : ماذا نريد من خريج المدرسة العمومية ؟
كما هو معلوم، نحن نعيش عصر التكنولوجيا المتطورة وهذا معناه أن خريج المدرسة العمومية يجب أن يكون متشبعا بالقيم الوطنية والأخلاق الفاضلة وقادرا على الاندماج في الحياة العملية (أساتذة، جامعيون، مهندسون متعددو التخصصات polytechniciens، أطباء، خبراء في التجارة والاقتصاد وإدارة المقاولات، خبراء في الصناعة والطاقة والانتقال الرقمي، خبراء في مجال المعلوميات والتكنولوجيا المتطورة، خبراء في الزراعة والبيطرة، الذكاء الاصطناعي، ....). ولقد أثبت الطلاب المغاربة أن بإمكانهم ولوج هذه المهن وتحقيق أعلى درجات التفوق لو أتيح لهم تعليم وتكوين جيد بالأسلاك التعليمية الثلاث وبالجامعات ومؤسسات تكوين الأطر . وهنا يطرح السؤال :
هل التصور الذي جاء به التعليم الصريح و طارل هو المفتاح الحقيقي لولوج كبريات المدارس العليا وبلوغ أسمى درجات التفوق الدراسي والمهني؟
إن ما يجب الانتباه إليه هو أنه رغم الاكراهات المادية والبشرية التي تعانيها المدرسة العمومية (وعلى رأسها معضلة الاكتظاظ)، فإن عشرات الآلاف من الحاصلين على شهادة البكالوريا بميزة حسن وحسن جدا يلجون المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود (كليات الطب والصيدلة، الاقسام التحضيرية، مدارس الهندسة، المعاهد العليا للتجارة وإدارة المقاولات، معاهد الزراعة والبيطرة، مدارس الهندسة المعمارية، كليات متعددة التخصصات، ...) ومنهم من حصل على نفس الميزة ولم يتم قبوله في أي مؤسسة ذات الاستقطاب المحدود لأن عدد المقاعد محدود في هذه المؤسسات، ليكون مصيره مجهولا. وعليه، فعوض الاهتمام بالفئة المتميزة أو التي لديها رغبة ومؤهلات في ولوج تخصصات عليا وولوج سوق الشغل من أوسع أبوابه بما يفيد الوطن، يتم التركيز على فئة المتعثرين والذي بعضهم (حسب اراء الممارسين داخل الفصول الدراسية) غير راغب في الدراسة والبعض الآخر أنكهه الفقر والهشاشة الاجتماعية والتفكك الأسري.
سادسا : إذا كان البعض يرى أن من بين أهداف إحداث إعداديات الريادة هو محاربة الهدر المدرسي ودعم التمدرس وتحقيق الانصاف، فإن الأمر لا يستدعي تغييرا جذريا في منهجية التدريس ومضامينه، بل في توفير الظروف الملائمة لتشجيع التمدرس(خاصة بالعالم القروي) وذلك من خلال توفير بينات تحتية وتوفير وسائل النقل والإطعام وتجهيز الداخليات والمكتبات بمواصفات عالية الجودة مع توفير منح تشجيعية لتلاميذ المناطق الهشة.
ملاحظات و توصيات :
من وجهة نظري المتواضعة، يبقى التدريس بالأنشطة (Enseignement par activités ou par découvertes)
في مادة الرياضيات من أنجع البيداغوجيات في الوقت الراهن.
كما أنه هو المعتمد حاليا ويمكن من ولوج كبريات المدارس والمعاهد العليا الوطنية و الأجنبية :
Facultés de Médecines et de pharmacie
EMI - EHTP - INPT - INSIAS - INSIAS -...
Ecoles polytechniques
Écoles des Mines, Ponts et chaussées
Écoles centrales Sup élec
Grandes écoles Télécom.
ISCAE - HEC - Grandes universités - ...
يبقى فقط أنه بحاجة إلى تطوير في ما يخص البنيات التحتية والتربوية وذلك من خلال :
محاربة معضلة الاكتظاظ بالأقسام في السلكين الاعدادي والتأهيلي (28 تلميذ كحد أقصى)؛
تجهيز المؤسسات التعليمية بكل ما يلزم من عتاد ديداكتيكي وتيكنولوجي للتدريس (السبورات التفاعلية نموذجا)؛
بنيات تحتية جيدة وفضاء ملائم جدا للتدريس؛
توظيف البرانم المعلوماتية في تدريس الرياضيات خاصة في الأنشطة الإستكشافية والتمارين التطبيقية والتوليفية (GeoGebra - Algorithmique - Python - calcul formel - ....)؛
تحفيز الأطر الإدارية والتربوية وجعل التعليم ميدانا لاستقطاب الكفاءات؛
تكوين الأساتذة والمفتشين في مجزوءات لها علاقة مباشرة بالعملية التدريسية كتوظيف لغة البرمجيات وصناعة التمارين والمسائل الرياضية؛
توظيف المزيد من الأطر الإدارية والتربوية بالمؤسسات التعليمية (حراس عامون، نظار، أطر الدعم، أساتذة، عمال النظافة،....)؛
إعطاء أهمية قصوى للتميز الدراسي (اولمبياد الرياضيات مثلا)؛
تطوير المناهج والبرامج الدراسية وجعلها مسايرة للعصر التكنولوجي وبوابة لولوج كبريات المدارس والمعاهد العليا ومن تم ولوج سوق الشغل من أوسع أبوابه وبأجور مغرية.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير لمنظومتنا التربوية ومستقبل فلذات أكبادنا من أجل مغرب أفضل.