قدّم فاعلون رسميون ونقابيون وباحثون منتمون إلى فئة ذوي الإعاقة، أمس الخميس، تشخيصا لوضعية الموظفات والموظفين المغاربة المنتسبين لهذه الفئة، مبرزين أن الإجراءات التي أقدم عليها المغرب للنهوض بهذه الوضعية والدفع بها نحو الأحسن، تنفيذا لمقتضيات الدستور والاتفاقيات الموقّع عليها في هذا الجانب، تصحبها عدة تحديات تفرمل نجاعتها، على غرار “عدم أجرأة الدمج الرقمي” و”التغييب عن المشاركة في المهام الإدارية والوظيفية”.
هؤلاء الذين كانوا يتحدثون ضمن يوم تواصلي مع الموظفين ذوي الإعاقة، نظمته بالرباط النقابة الوطنية لإصلاح الإدارة، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، تحت شعار: “متحدون في العمل لأجل تحقيق إدماج مهني شامل وعادل للموظفات والموظفين ذوي الإعاقة في الوظيفة العمومية”، لفتوا إلى “تحديات قانونية أساسا تقف أمام تجويد وضعية هذه الفئة؛ إذ لا يشير ميثاق المرافق العمومية ونصوص قانونية ذات صلة إلى مصطلح الإعاقة”.
واستحضر المتحدثون أن “إستراتيجية المغرب الرقمي من حسناتها أن حملت بعد الدمج الرقمي لذوي الإعاقة؛ لكن هذا البعد يكاد يكون غائبا على أرض الواقع، إذ لا يتوفر الموظفون المنتمون لهذه الفئة على برامج تأخذ وضعيتهم بعين الاعتبار”.
“تحديات قانونية”
محمد بوطيب، الكاتب العام الوطني للنقابة الوطنية لإصلاح الإدارة، أورد بدايةً أن “هذا اللقاء التواصلي ذو أبعاد إنسانية وتضامنية”، واضعا إياه في سياق “الأهمية التي توليها المملكة للأشخاص ذوي الإعاقة، لأن قضية الإعاقة أساسية وجوهرية، فالمغرب يخسر 10 مليارات درهم سنويا بسبب عدم الاهتمام بقضايا الإعاقة وتكافؤ الفرص والمساواة”.
وأضاف بوطيب، في كلمته خلال اللقاء التواصلي، أن “25 في المائة من الأسر في المغرب لديها على الأقل شخص يعاني الإعاقة، و38 في المائة من الأشخاص في سن العمل ولا يمارسون أي نشاط مهني، على أن نسبة البطالة في صفوف المواطنين ذوي الإعاقة تفوق خمسة أضعاف الموجودة في صفوف العاديين”.
واستحضر المتحدث أن “دستور 2011 أطر ولوج الأشخاص ذوي الإعاقة للوظيفة العمومية، بعدما صادق المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق هذه الفئة”، مستدركا بأنه “مع ذلك مازلنا نشتغل بظهير سنة 1958 الذي لا يذكر بتاتا مفهوم الإعاقة، وكذلك الشأن بالنسبة لميثاق المرافق العمومية”، ومضيفا أن “هذا الأمر يطرح إشكالات قانونية في إنصاف ذوي الإعاقة”.
“إجراءات للدمج”
الوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، أكدت في كلمة تلاها مدير الموارد والشؤون العامة بالوزارة، عزيز خلادي، أن “موضوع الإعاقة يحظى بعناية الملك السامية، فهو مافتئ يؤكد على ضرورة تحسين وضعية وظروف الأشخاص ذوي الإعاقة”، مؤكدة أن “الاهتمام الخاص بهذه الفئة تكرّس في دستور 2011، الذي ضمن كافة حقوقها”.
ولفتت السغروشني في السياق عينه إلى أن الفصل 34 من الدستور قضى بقيام السلطات العمومية بوضع سياسات موجهة إلى الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال إعادة تأهيل من يعانون إعاقة جسدية أو حركية أو ذهنية وإدماجهم في الحياة الاجتماعية، مشيرة إلى “مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وبروتوكولها الاختياري سنة 2009”.
وقالت الوزيرة ذاتها إن “البرنامج الحكومي أعطى دفعة إضافية في هذا الموضوع، بتكريسه سياسة واضحة تهدف إلى النهوض بأوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة، وبتطوير أشكال وآليات التدخل والعمل من خلال وضع إستراتيجة وطنية للتربية الدامجة”، مبرزة أن “الوزارة اتخذت من خلال البرنامج الوطني لتحسين الاستقبال بالمرافق العمومية عدة إجراءات تخص هذه الفئة، تم إدراجها ضمن منظومة الاستقبال”.
ودعت المسؤولة ذاتها، من هذا المنطلق، “الإدارات العمومية إلى توفير الإمكانات الأساسية لفائدة هذه الشريحة المواطنين، تماشيا مع مضامين الدليل المرجعي للاستقبال، المتمثلة أساسا في تخصيص أماكن خاصة لوقوف سيارات هذه الفئة، وتهيئة الولوجيات طبقا للمعايير الدولية، وتوفير مقاعد خاصة بفضاء الانتظار، وتقديم المساعدة عند طلب الخدمة، وتمكينها من الأولوية عند تقديم طلباتها من خلال توفير شباك خاص بها”.
“الدمج الرقمي والمهام”
منير خير الله، باحث في سلك الدكتوراة في مجال الإعاقة، اتفقّ مع أن “المغرب قطع أشواطا مهمة على المستوى التشريعي والمؤسساتي للنهوض بوضعية ذوي الإعاقة، بغرض تطبيق التزامه باتفاقية حقوق المنتسبين لهذه الفئة، التي جاءت بأمرين مهمين هما تعريف الإعاقة، والمقاربة الحقوقية في التعاطي مع من هم في وضعيتها، وخصوصا الموظفين”.
وأكد خير الله، وهو يقارب في كلمته خلال اللقاء التواصلي “الإعاقة والدمج الرقمي”، أن “مجهود المغرب على مستوى الكم التشريعي والمؤسساتي كبير، لكن لم يصل بعد إلى الاستجابة لكل المطلوب”، مفيدا بأن “الفصل 34 بدوره ينطوي في صياغته على نوع من التمييز، إذ يذكر المعاناة من الإعاقة؛ فيما هناك كذلك حديث عن تأهيل الفرد عوض تأهيل المجتمع”، وزاد شارحا: “الفرد ذو الإعاقة سيبقى على وضعيته؛ ما تجب إزالتها هي الحواجز والتمثلات المجتمعية المعيقة”.
وأورد الباحث ذاته أن “إستراتيجية المغرب الرقمي 2030 كانت الأولى من نوعها التي جاءت ببعد الدمج الرقمي”، موضحا أنه “منذ اعتماد أول إستراتيجية للرقمنة سنة 2010 كان الحديث عن ثلاثة أبعاد فقط، هي الاقتصادي؛ الذي يحث على امتلاك جميع المغاربة وسائل التواصل والمعلومات، والجغرافي القاضي بتقريب الخدمة الرقمية من ساكنة المناطق النائية خصوصا، فالبعد المعرفي، أي تملك المغاربة المهارات المعرفية اللازمة لولوج واستعمال هذه الوسائل”.
وأبرز المتحدث أن “الإستراتيجية اهتمت بشكل أساسي بالدمج الرقمي لذوي الإعاقة من خلال أن تأخذ الحلول الرقمية من منصات ومواقع ألا تمارس التمييز ضد هذه الفئة”، رغم أن “وثيقة هذه الإستراتيجية بحد ذاتها تمارس التمييز بدليل أنها لم تكن ولوجة للقراءة للمكفوفين”.
وأوضح خير الله أن “الموظفين ذوي الإعاقة معنيون بدورهم بتقديم خدمات للمواطنين، إلا أنه إلى حد الآن لا يجدون مكانهم في بيئة العمل؛ فبالنسبة للموظفين المكفوفين مثلا لا أحد منهم منح برنامجا معلوماتيا مكيفا مع وضعيته”، مشيرا إلى “وجود استبعاد حقيقي لهذه الفئة من المشاركة في المهام، لأسباب متعددة منها التمثلات المجتمعية، وضعف الولوجيات، وعدم حصول ذوي الإعاقة على التكوين المستمر مقارنة بزملائهم العاديين”، متسائلا: “هل نحن في ظل هذا الوضع قادرون على تقديم الخدمات الرقمية للمواطنين ما بعد 2030؟”.
مطالب تُرفع
مصطفى الباهي، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية لإصلاح الإدارة، سرد عدة مطالب ترفعها النقابة للنهوض بوضعية الموظفين ذوي الإعاقة، ذاكرا “تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بحظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الإعاقة في التشريعات والمراسيم التي تهم الوظيفة العمومية، وملاءمة التشريعات الوطنية في مجال الأخيرة مع المعايير الدولية المتعلقة بالأشخاص في وضعية إعاقة؛ عبر مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية ومراسيمه التطبيقية، وكذا القانون رقم 19-54 بمثابة ميثاق المرافق العمومية”.
وأضاف الباهي في كلمته خلال اللقاء التواصلي ذاته أن “النقابة تطلب كذلك بإحداث مصلحة لدى وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة تعنى بشؤون الموظفين في وضعية إعاقة، وتتبع ظروف تشغيلهم واندماجهم المهني بإدارات الدولة”، مع “استثمار التكنولوجيا والتحول الرقمي كأداتين قويتين لتحقيق الإدماج المهني، وذلك بسد الفجوة الرقمية وحماية حقوق الموظفين في وضعية إعاقة في الولوج الرقمي واستعمال منصاته وأدواته بشكل عادل ومنصف”.
وناشدت النقابة كذلك، على لسان الباهي، “اتخاذ جميع الإجراءات على مستوى الوظيفة العمومية للحد من ظهور الضعف (الوقاية من المستوى الأول) وتطوره إلى القصور الوظيفي (الوقاية من المستوى الثاني)، ومنع تحويل القصور الوظيفي إلى الإعاقة (الوقاية من المستوى الثالث)”.