recent
آخر المواضيع

المادة 76 شمس الإنصاف تبدد غيوم الادعاءات في سماء الإصلاح التربوي

 





المادة 76 شمس الإنصاف تبدد غيوم الادعاءات

في سماء الإصلاح التربوي

كتب يوم الأربعاء 15 يناير 2024

بقلم احماد وفروخ (.)

مقدمة

الضرورة تفرض علينا أن نشير إلى أن الرد عن أهل البدع التربوية واجب شرعي، قبل أن يكون واجبا وضعيا، يتطلب الحكمة والعلم والبصيرة، وهو جزء من مسؤولية حفظ الحقل التربوي ونقائه من الانحرافات والتأويلات الباطلة، مصداقا لقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} سورة آل عمران: 104.

ولن نجد خير ما نبدأ به ردنا هذا من تلك النصوص القانونية التي تم تأويلها حسب أهواء صاحب النص:

1.      الفصل السادس من دستور 2011: "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصًا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له"؛

2.     المادة 38 من القانون الإطار رقم 51-17: "علاوة على الشروط النظامية المطلوبة لولوج مهن التدريس والتكوين والتأطير والتدبير والتفتيش بالقطاع العام يعد التكوين الأساسي شرطا لازما لولوج مهن التربية والتكوين والبحث العلمي"؛

3.     المادة 76، مرسوم رقم 140-24-2 الصادر في 23 فبراير 2024، بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية: "يدمج سنويا، ابتداء من فاتح يناير 2024 ولمدة ست (6) سنوات، بناء على طلبهم، المستشارون في التوجيه التربوي والمستشارون في التخطيط التربوي، بمن فيهم الذين يوجدون في طور التكوين بمركز التوجيه والتخطيط التربوي (فوج 2022-2024)، والممونون، بمن فيهم الذين يوجدون في طور التكوين بمركز تكوين مفتشي التعليم )فوج 2022-2024 وفوج 2023-2025)، المرتبون جميعهم في الدرجة الأولى على الأقل، في تاريخ تقديم الطلب، وذلك في الدرجة المطابقة لدرجتهم الأصلية بهيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم"؛

4.     ملخص تقرير الارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث والتدبير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، الصادر سنة 2018: "يأتي التقرير في سياق تعاني فيه المنظومة الوطنية التربوية من إشكالات بنيوة تهم الوضعية القائمة لمهن التربية والتكوين والبحث والتدبير، وتبرز أهم تجلياتها في الاختلالات التالية: أ. اختلالات متعلقة بمهننة وتأهيل الفاعلين: غياب الانسجام بين تحديد الحاجيات والخصاص من الأطر التربوية، والتدابير المعتمدة لسد الخصاص، وعدم انتظام التكوينات التأهيلية وضعف بعضها؛ محدودية التنسيق والتكامل في المهام والأدوار بين المؤسسات التي تتولى التكوين الأساس؛ ضعف في ملاءمة تحصين المهن التربوية من بعض الظواهر ذات الصلة بالتنظيم المؤسساتي، أو المخلة بنبل المهام التربوية وقدسية الفضاء المدرسي؛ تدني الصورة القيمية والمكانة الاعتبارية للفاعل (ة) التربوي (ة) لدى المجتمع بشكل عام"(ص 3) و"اعتبارا لكون التكوين الأساس والتأهيل المهني مقوما إلزاميا لولوج المهن التربوية، وحقا أساسيا من الحقوق المهنية، وواجبا إلزاميا لمزاولتها، ...في إطار هندسة بيداغوجية تزاوج بين التناوب والاحتكاك بواقع الممارسة الميدانية وتدمج التكوين عن بعد بشكل مُمأسس إلى جانب التكوين الحضوري" (ص 7).                                                                                                                                                                                                                                                          

 

وتفصيل لما سبق يكون على الشكل الآتي:

يشكل المبدأ الدستوري الأساس لأي قراءة قانونية سليمة تتوخى الإنصاف والموضوعية. إلا أن بعض المحاولات لتفسير النصوص القانونية المتعلقة بإدماج المستشارين في التوجيه والتخطيط التربوي في هيئة التفتيش في التوجيه والتخطيط التربوي انحرفت عن هذا الأساس، مقدمة قراءة مغلوطة تفتقر إلى العلمية وتغذي النزعات الشخصية بدلًا من تقديم نقد علمي بناء:

أولًا، المبدأ القانوني لتراتبية النصوص ومشروعية الإجراءات:

وفقًا للقانون الإطار 51-17، يُعد التكوين الأساسي شرطًا لازمًا لولوج المهن التربوية. ومع ذلك، لا ينفي هذا القانون إمكانية إدماج بعض الفئات، بشرط استيفاء الشروط التي تنظمها مراسيم قانونية صادرة عن السلطة الوصية. فنص المرسوم 140-24-2 في مادته 76 على إدماج مستشاري التوجيه والتخطيط التربوي ضمن هيئة التفتيش في التوجيه والتخطيط التربوي، بناءً على تكوين خاص. هذا الإجراء، رغم كونه موضوع نقاش، لا يمكن اعتباره خرقًا لتراتبية النصوص القانونية، إذ إنه يستند إلى مرجع قانوني أعلى، وهو دستور 2011.

ثانيًا، التكوين الأساسي مقابل التكوين الخاص:

التكوين الأساسي شرط لولوج مهن التربية، لكنه، يا صاحب المقال، ليس الوحيد وقد أشار إليه تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي لم يحسن صاحب المقال قراءته؛ فالتكوين الخاص والتكوين عن بعد، كما نصت عليه المادة 76، يمثل خيارًا تكميليًا لاستيعاب الكفاءات الموجودة في المنظومة التربوية وتكييفها مع المتطلبات الجديدة. فالادعاء بأن إدماج مستشاري التوجيه والتخطيط التربوي يخالف مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص يتجاهل أن هذه الإجراءات تعكس سياسة عمومية ترمي إلى معالجة الخصاص في التأطير وتعزيز الكفاءات وفقًا لحاجيات الميدان.

ثالثًا، التركيز على الواجبات التخصصية بدلًا من التطفل على حقوق الآخرين:

إن من أبرز معايير المهنية والانضباط احترام الاختصاصات، وهو ما يفرض على صاحب المقال التركيز على واجبه الأساس المتمثل في تأطير أستاذات وأساتذة التعليم العمومي، وتحسين أدائهم بما يخدم جودة التعليم. الذي يعرف مرحلة انتقالية تسعى إلى إرساء مدرسة مغربية رائدة على جميع المستويات.
غير أن الانشغال بمناقشة حقوق الآخرين، التي استُرجعت بقوة القانون بعد سنوات من النضال، والانحراف عن الدور التربوي المنوط به، يعكس خلطًا في الأولويات.
والأدهى من ذلك هو السعي وراء ...، ما يطرح علامات استفهام حول الالتزام بأخلاقيات المهنة.

رابعًا، مشروعية القرارات وتحديات الإصلاح:

إن الادعاء بأن المادة 76 تضرب مبدأ الإنصاف يتجاهل السياق الإصلاحي الشامل الذي تمر به منظومة التربية والتكوين. فالقرار جاء استجابة لحاجيات الميدان وسعيًا لتحقيق مبدأ الكفاءة في الأداء، دون الإخلال بمبادئ العدالة أو المساواة، وهو حق اٌسترجع بقوة القانون، وليس هدية وخرقا للقانون كما يدعي صاحب المقال.

خامسًا، أثر النقاشات القانونية على الإصلاح التربوي:

إن توجيه الانتقادات إلى إدماج المستشارين في التوجيه والتخطيط التربوي دون قراءة شاملة للمبررات القانونية والأهداف الإصلاحية يعكس نزعات فردية لا تخدم المصلحة العامة. فبدلًا من ذلك، يجب التركيز على بناء نقاش قانوني موضوعي ومؤسس على القواعد الدستورية والمصلحة التربوية العليا.

خاتمة:

إن الالتزام بمبادئ المشروعية، والتراتبية القانونية، والإنصاف، يظل الشرط الأساسي لضمان عدالة السياسات العمومية. وعليه، فإن أي قراءة مغلوطة أو انتقائية للنصوص القانونية لا تهدف إلا إلى تأجيج الصراعات الداخلية، بدلًا من تعزيز النقاش البناء الذي يخدم منظومة التربية والتكوين.
كما أن الانكباب على القضايا الهامشية أو السعي لتحقيق مكاسب شخصية يعيق مسار الإصلاح. إن منظومتنا التربوية بحاجة إلى جهود موحدة ورؤى علمية بناءة، بعيدًا عن النزعات الفردية أو الأجندات الخاصة.

وقبل ختم المقال، لماذا لم يسأل صاحب المقال نفسه أنه سبب رئيس من أسباب فشل الإصلاحات التي تبنتها الوزارة الوصية منذ الميثاق الوطني للتربية الوطنية إلى خارطة الطريق 2022/2026 (أتمنى ألا تكون هذه الأخيرة كذلك) باعتباره عنصرا من عناصر الحلقة المفقودة -مع احترامي للنزهاء الأوفياء طبعا الذين نكن لهم كل التقدير والاحترام- التي لا يهمها إلا التعويضات المادية عوض الانخراط الفعلي لتنزيل الإصلاحات على أرض الواقع عبر آليات التأطير والمواكبة المستمرين للأستاذات والأساتذة داخل الفصول الدراسية.  

وفي الختام، أقول إن الرد على أهل البدع التربوية ليس مجرد مواجهة فكرية، بل هو عمل علمي بناء هدفه بيان الحق للناس. يقول الإمام الشافعي: "ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يُظهر الله الحق على لسانه". لذلك، حاولت واجتهدت أن أجمع بين العلم والرفق، مستعينًا بالله، معتصمًا بمنهج السلف الصالح، ومخلصًا النية لله وحده، ومؤمنا بما أخبرنا به الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل، وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة". (الراوي: أنس بن مالك وأبو هريرة | المحدثالألباني | المصدرصحيح الجامع | الصفحة أو الرقم: 3650 | خلاصة حكم المحدثصحيح)

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لائحة المصادر والمراجع:

-          القرآن الكريم

-          دستور المملكة المغربية 2011

-          ملخص تقرير الارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث والتدبير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، الصادر سنة 2018

-          القانون الإطار رقم 51-17

-          النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية

-     مرسوم رقم 140-24-2 الصادر في 23 فبراير 2024، بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية

-          الدرر السنية - الموسوعة الحديثية - شروح الأحاديث

(.) مستشار في التوجيه التربوي (أستاذ التعليم الابتدائي من عام 2000 إلى عام 2022، حاصل على ماستر هندسة اللغات والتعليم الإلكتروني للغة العربية، باحث في مجال اللسانيات الحاسوبية والذكاء الاصطناعي، له عدة مقالات منشورة في مجلات علمية محكمة دولية ووطنية، كان آخرها التخطيط اللغوي وتلازم السياستين اللغوية والتربوية، وشمس المغرب تسطع على حوسبة اللغة العربية ...)

 


google-playkhamsatmostaqltradent