recent
آخر المواضيع

《ليس دفاعا عن الاستاذة لطيفة أحرار ولكن....》

 

حسن تزوضى: أستاذ باحث
أثار تعيين الأستاذة لطيفة أحرار على رأس هيئة استشارية تُعنى بجودة التعليم العالي (مجلس إدارة الوكالة الوطنية لجودة التعليم العالي) جدلاً واسعاً امتد من وسائل الإعلام إلى مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن هذا الجدل مرتبطًا بأدائها المهني أو كفاءتها الأكاديمية، بقدر ما كان منصباً على قناعاتها الفكرية وخياراتها الفنية والشخصية، هذا النوع من التفاعل يُثير تساؤلات حول الثقافة المجتمعية السائدة والمعايير المعتمدة في إصدار الأحكام وتقييم الاختيارات العمومية في مجالات تهم الشأن العام .
لطيفة أحرار تُعدّ من أبرز الأكاديميين والفنانين بالمغرب، حيث جمعت بين التدريس الجامعي والعمل الإبداعي المسرحي، مما منحها تجربة فريدة تجمع بين الجانبين النظري والتطبيقي، من خلال مسارها المهني استطاعت أن تترك بصمة واضحة في الحقل الأكاديمي والفني بشكل خاص، حيث قدمت دراسات وممارسات تربط الفن بالثقافة والتعليم، تخصصها وخبرتها الطويلة يُشكلان رصيداً ثميناً لأي مشروع يسعى إلى تحسين جودة التعليم العالي، خاصة في المجالات التي تتطلب التفكير الإبداعي والنقدي.
غير أن جزءاً كبيراً من الخطاب الرافض لتعيينها تجاوز النقاش الأكاديمي والموضوعي ليتحول إلى هجوم شخصي، يركز على مواقفها الفكرية وخياراتها الإبداعية، معتبرًا إياها غير متوافقة مع معايير معينة "للأخلاق" أو "الهوية". هذا النوع من الخطاب لا يقتصر على رفض تعيين أحرار فحسب، بل يعكس أيضًا نزعة مجتمعية تسعى إلى إخضاع المجال العام لمعايير ضيقة تُقصي من لا يتوافق معها.
من المهم أن نتوقف عند مسألة ربط الكفاءة بالمواقف الشخصية، هذا الربط يعكس خللاً في فهم دور المسؤولية العامة، حيث يتم تقييم الأفراد بناءً على حياتهم الشخصية بدلاً من إنجازاتهم المهنية، في حالة أحرار كان من الأجدر التركيز على مساهماتها الأكاديمية والإبداعية، ومدى قدرتها على إحداث تغيير إيجابي في التعليم العالي، بدلاً من استحضار خياراتها الشخصية التي لا علاقة لها بمهمتها المهنية، أو توجيه نقدا بناء لوضعية التعليم العالي البئيسة أو حتى سياسات الدولة في هذا المجال .
الاعتداء على حرية الأفراد الفكرية والشخصية باسم الدفاع عن "القيم" لا يخدم المجتمع بل يعرقل مسيرة التطور والحداثة، عندما يُهاجم شخص كفء بسبب اختلاف قناعاته وممارساته ، وليس على قاعدة كفاءته وخبرته فهذا ضرب من الشعبوية المقيتة
إن تقلد المسؤولية وخاصة في التعليم العالي تتطلب أشخاصًا مثقفين لديهم خبرة وقدرة على الإبداع والعمل، والاستاذة لطيفة أحرار تمثل هذا النموذج فهي قادرة على تعزيز التفكير النقدي والتجديد في منظومة التعليم العالي، أما الهجوم عليها بسبب مواقفها الفكرية فهو يعكس أزمة ثقافية أعمق ترتبط برفض التعددية والتنوع، والمؤسف حقا أن هذه المواقف تصرف من جهات تسمى "مثقفة " يفترض فيها النقد والرؤية المتفحصة والموضوعية.
من الضروري أن يتحول النقاش حول تعيين أي مسؤول من مستوى الأحكام المسبقة إلى تقييم واقعي يستند إلى الكفاءة والقدرة على الأداء، لطيفة أحرار ليست مجرد شخصية فنية أو أكاديمية؛ هي نموذج للمواطنة الفاعلة التي تسعى للإسهام في تطوير بلدها، ومهاجمتها بسبب مواقفها الشخصية لا يخدم إلا القوى الرجعية المحافظة في المجتمع.
google-playkhamsatmostaqltradent