بعد الجدل الكبير الذي أثاره القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب، عقب تمريره من طرف حكومة عزيز أخنوش وأغلبيتها البرلمانية، والتضارب الحاصل بشأن نسبة المشاركة في الإضراب العام الذي دعت إليه النقابات احتجاجا على تمرير هذا القانون الذي تصفه بـ”المجحف”، بدأت تطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الحكومة والنقابات التي تميزت بـ”الهدوء” منذ تنصيب الحكومة.
نسبة المشاركة في الإضراب العام بحر الأسبوع الجاري خلقت نقاشا ساخنا وحملة من التصريحات والتصريحات المضادة بين الطرفين؛ فالنقابات تتحدث عن مشاركة عالية ونجاح باهر للإضراب، بينما تدحض الحكومة هذه الأرقام وتؤكد أن النسبة كانت “هزيلة وليس لها تأثير يذكر”.
وتشير التوقعات إلى أن التصعيد من جانب النقابات ضد الحكومة سيكون عنوان المرحلة المقبلة، لكن بعض المتابعين يعتبرون أن الوضع الحالي للنقابات، المتسم بالانقسام النقابي، يجعل هامش المناورة أمامها ضيقا.
في تعليقه على الموضوع، قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، إن العمل النقابي بالمغرب منذ تسعينات القرن الماضي “يعيش أزمة حقيقية لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية”، موردا أن خلاصة هذه الأزمة هي أن “النقابات ضعيفة من حيث إحداث التوازن مع الباطرونا أو الحكومة، والدليل هو أن القانون التنظيمي للإضراب صدر في ظل هذه الحكومة رغم التنصيص عليه في الدساتير السابقة.
وسجل اليونسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مؤشر ضعف النقابات هو أن الحكومة “لم تعمل المقاربة التوافقية قبل الحسم التشريعي؛ وبالتالي لجأت إلى أغلبيتها البرلمانية لتمرير قانون هو في العمق يقيد حقا دستوريا بآليات تشريعية غير متناسبة مع هذا الحق”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن المعول عليه لإحداث التوازن وتدارك ما يمكن تداركه، هو “المراقبة الإلزامية للمحكمة الدستورية”، مشددا على أن “مسار القانون التنظيمي للإضراب وضعف المشاركة في الإضراب، جرس إنذار للدولة والنقابات”.
وشرح أنه جرس إنذار للدولة “لأنها في حاجة إلى مؤسسات وساطة للقيام بأدوارها في العلاقة مع المجتمع. أما بالنسبة للنقابات، فيجب أن تراجع طبيعة علاقتها مع الحكومة، وأن تبتعد عن التموقع السياسي خلف الأحزاب السياسية مبررة أو رافضة لقرارات معينة، خصوصا وأن إصلاح التقاعد وقانون النقابات سيتم طرحهما قريبا”.
من جهته، أفاد عبد الله أبو عوض، أستاذ جامعي محلل سياسي، بأن التوجس سيبقى “قائما بين النقابات والحكومة في علاقتهما”، لافتا إلى أن ما ذهب إليه رئيس الحكومة من أن العلاقة بينهما هي “أكبر من أن تختزل في قانون الإضراب الجديد الذي جاء بعد ستين سنة من العمل عليه، لا يمكن الجزم أبدا بالقطع بين النقابات والعمل الحكومي”.
وشدد أبو عوض، ضمن تصريح لهسبريس، على أن تفعيل آليات الحوار بين الحكومة والنقابات هو “ضمان للاستمرار في جلب المشاريع الاقتصادية الكبرى”.
وزاد المحلل السياسي ذاته موضحا أن أمام النقابات خيارين لا محيد عنهما، “يتمثل الأول في تفعيل آلية الحوار كمحدد رئيس في نيل المكتسبات، والثاني في تجديد الهياكل النقابية وتجديد دماء العمل النقابي بمقترحات تتماشى والرؤية العامة التي تنبني على الصالح العام”.
وأشار أبو عوض إلى عدم إغفال سؤال الثقة عند الشغيلة في العمل النقابي الذي صار في خطاباته وتطلعاته “غير مقنع”، معتبرا أن النجاح غير مقرون في العمل النقابي بـ”التصعيد، والواقع الحالي صارت فيه المعادلة تختلف عن سابقاتها”، مؤكدا أن في بعض الدول “تعبر النقابات عن رفضها مثلا بوضع علامات معينة مع الاستمرار في العمل الذي يعني الإنتاج والاستمرارية، فتشكيل الوعي النقابي الحديث ليس هو الانسحاب من استمرار المرفق، سواء الخاص أو العام، وإنما هو التعبير الرمزي عن المطالب بالحق عند استيفاء الواجب”، وفق تعبيره.