في ظل التحالف الثلاثي الذي يضم حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وحزب التجمع الوطني للأحرار، باتت الأرقام الرسمية محط تشكيك متواصل من طرف الحكومة، ما يثير تساؤلات حول مصداقية المعطيات التي تُقدم للرأي العام ومدى توافقها مع الواقع اليومي للمواطن المغربي.
فبينما يُفترض أن تكون المؤسسات الرسمية، مثل المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، جهات مستقلة تقدم معطيات دقيقة وشفافة، تواجه تقاريرها بالتشكيك كلما لم تتماشى مع الخطاب الرسمي.
ويصل الأمر أحيانًا إلى اعتبار بعض هذه المعطيات غير دقيقة أو مبالغًا فيها، مما يضعف ثقة المواطنين في هذه المؤسسات التي يفترض أن تلعب دورًا رقابيًا ومرجعيًا في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي.
هذا النهج لم يقتصر على المؤسسات الرسمية فحسب، بل امتد ليشمل النقابات التي تحذر من تدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكلفة المعيشة مقارنة بمستويات الأجور، وهو ما تقابله الحكومة بتصريحات مطمئنة تؤكد أن الوضع تحت السيطرة، وأن الإصلاحات الاقتصادية ماضية في الطريق الصحيح.
لكن الواقع اليومي للأسواق يروي قصة مختلفة، حيث يشكو المواطنون من ارتفاع مستمر في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وتكاليف المعيشة التي باتت تثقل كاهل الأسر، دون أن ينعكس ذلك على مستوى الأجور بشكل يتناسب مع هذه الزيادات.
وفي كل مرة تتحدث النقابات عن مشاكل العمال، أو تدق ناقوس الخطر بشأن تراجع القدرة الشرائية، يأتي الرد الرسمي بالنفي والتأكيد على نجاح التدابير الحكومية في تحسين الأوضاع الاقتصادية، دون تقديم معطيات كافية لدحض ما يتم تداوله.
هذا التناقض المتكرر يجعل المواطن في حيرة من أمره، غير قادر على معرفة الحقيقة وسط تصريحات متضاربة.
من جهة أخرى، تجد الأحزاب المعارضة نفسها في موقف صعب، إذ كلما قدمت معطيات أو أرقامًا لا تتماشى مع الخطاب الحكومي، يتم اتهامها بالمزايدة السياسية والتضليل.
ورغم أن بعض هذه الأحزاب تعتمد على دراسات وتقارير من مؤسسات مستقلة، إلا أن التشكيك في مصادرها أصبح نهجًا معتمدًا لتقويض مصداقيتها، هذا الأمر يعمّق أزمة الثقة بين المواطن والسياسيين، حيث لم يعد يعرف لمن يستمع وأي الأرقام يعوّل عليها.
أما المواطن المغربي، فهو الحلقة الأضعف في هذا المشهد، إذ يجد نفسه أمام تضارب مستمر في المعلومات، بين أرقام رسمية تُعلن ثم تُشكك، وبين معطيات نقابية تُهمش، وبين خطابات سياسية متناقضة.
هذا الواقع يخلق حالة من الإحباط والتشكيك في أي مصدر للمعلومة، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في القرارات والسياسات الحكومية، خاصة في ظل عدم تقديم توضيحات شفافة يمكن أن تزيل هذا اللبس.
وسط هذا التضارب، يبرز تساؤل جوهري.. كيف يمكن للمواطن التمييز بين الحقيقة والتضليل؟ وإذا كانت المؤسسات الرسمية نفسها لم تعد محصنة من التشكيك، فكيف يمكن بناء ثقة حقيقية في القرارات والسياسات الحكومية؟
إلى حين تقديم إجابات مقنعة، سيظل المغربي عالقًا بين خطابين متناقضين، يبحث عن الحقيقة التي قد تكون أكبر ضحايا هذا المشهد السياسي، في انتظار لحظة تكون فيها الأرقام مرآة صادقة للواقع، لا مجرد أداة لتبرير السياسات.