في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، صادق المجلس الحكومي، خلال اجتماعه أمس، على تعيين الحسين قضاض في منصب المفتش العام لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي. ويعد قضاض من أبرز المسؤولين الذين شغلوا مناصب حساسة داخل الوزارة، حيث كان على رأس المفتشية العامة لسنوات، وسبق له أن تقلد منصب مدير الممتلكات، وهو المنصب الذي أثار حوله شبهات عديدة تتعلق بإعادة تخصيص عقارات مخصصة للتعليم العمومي لصالح مشاريع خاصة.
ويأتي تعيين قضاض في وقت تستعد فيه غرفة جرائم الأموال بالرباط للنظر في ملفات صفقات ضخمة أبرمت خلال فترات سابقة، كانت موضوع تحقيقات من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وسط تساؤلات حول مدى مسؤوليته في التغاضي عن اختلالات مالية كبيرة، أبرزها تلك المرتبطة بالبرنامج الاستعجالي الذي انتهى بهدر ما يناهز 4700 مليار سنتيم.
ورغم أن قضاض كان من الأسماء التي طُرحت بقوة في قائمة المسؤولين المطلوب إعفاؤهم عقب فضائح هذا البرنامج، إلا أن الوزارة اختارت الإبقاء عليه، حيث كان الوزير السابق شكيب بنموسى قد قرر التمديد له قبل أن يتم تعيينه رسميًا ضمن الهيكلة الجديدة. قرار أثار علامات استفهام حول مدى توفر كفاءات أخرى داخل الوزارة قادرة على تولي هذا المنصب بعيدًا عن الشبهات.
وتكشف وثائق حصل عليها موقع نيشان أن المفتش العام الحالي كان له دور مباشر في تمرير عقارات كانت مخصصة لبناء مدارس عمومية لتتحول إلى مشاريع خاصة، من بينها مؤسسات تعليمية خاصة استفاد منها مقربون من دوائر السلطة، إضافة إلى عقارات تم تحويلها إلى مصانع. وتشير الوثائق أيضًا إلى تورطه في صفقات شابتها اختلالات، من بينها صفقة شراء 509 سيارات، إلى جانب صفقات مرتبطة بالعتاد الديداكتيكي، حيث تم استيراد معدات بملايير السنتيمات، بعضها لم يتم تسليمه، وأخرى تم التوقيع على استلامها بمحاضر مزورة.
وسبق للشبكة المغربية لحماية المال العام أن نبهت، منذ سنة 2016، إلى ما وصفته بـ جرائم مالية استهدفت قطاع التعليم العمومي، مشيرة إلى أن مساحات واسعة من الأراضي التي كانت مخصصة لإنشاء مدارس تم تفويتها لشخصيات نافذة بأثمنة بخسة، خاصة في مدن كبرى مثل الدار البيضاء ومراكش والرباط وفاس وطنجة، وهو ما أثر بشكل مباشر على القدرة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية العمومية.
وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة التي طالته، لم يواجه المفتش العام أي مساءلة مباشرة، بل ظل في موقع المسؤولية، بل إنه خلال فترة الوزير سعيد أمزازي، دخل في مواجهة محدودة مع الكاتب العام يوسف بلقامسي، الذي انتقل لاحقًا إلى شركة سونارجيس ، لكن دون أن ينعكس ذلك على تصحيح الاختلالات الكبيرة التي شهدتها الوزارة.
ومن بين الملفات الأكثر إثارة، تورط المفتش العام في قضايا متعلقة بصفقات التغذية، حيث تشير التقارير إلى صرف 60 مليار سنتيم على وجبات خلال تكوينات صورية، إلى جانب صرف ميزانيات ضخمة على مختبرات تعليمية تبين لاحقًا أنها كانت مجرد هياكل فارغة استُخدمت لأغراض غير تعليمية.
ورغم كل هذه المعطيات، لا تزال الوزارة تعتمد على نفس الوجوه في مناصب المسؤولية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى جدية الإصلاحات المعلنة، خاصة في ظل استمرار تعيين شخصيات ارتبطت أسماؤها بملفات فساد لم يتم الحسم فيها بعد.