recent
آخر المواضيع

إعفاء يونس السحيمي.. هل هو خطوة إصلاحية أم مجرد إعادة توزيع للأدوار داخل وزارة التربية الوطنية؟

 

شهد قطاع التربية الوطنية بالمغرب زلزالًا إداريًا جديدًا عقب قرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، بإعفاء يونس السحيمي، الكاتب العام للوزارة، من مهامه. هذا القرار، الذي لم تصدر بشأنه أي توضيحات رسمية حتى الآن، أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط التربوية، خصوصًا أنه جاء بعد سلسلة إعفاءات طالت 26 مديرًا إقليميًا في وقت وجيز.
لكن يبقى السؤال الكبير: هل هذا الإعفاء جزء من عملية إصلاح حقيقية تهدف إلى تغيير جذري في تدبير شؤون التعليم، أم أنه مجرد خطوة شكلية لإعادة ترتيب المشهد الإداري دون المساس بجذور الأزمة التي تعصف بالمنظومة التربوية؟
إعفاء السحيمي.. تغيير في الاتجاه الصحيح أم مناورة سياسية؟
يعد منصب الكاتب العام لوزارة التربية الوطنية من بين المواقع الأكثر حساسية وتأثيرًا في اتخاذ القرارات، نظرًا إلى الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها شاغله، والتي تشمل الإشراف على التعيينات والإعفاءات، والمصادقة على الصفقات، والتنسيق بين مختلف المصالح المركزية والجهوية.
وبالنظر إلى أن السحيمي كان مسؤولًا عن إعداد لائحة الإعفاءات الأخيرة التي شملت المديرين الإقليميين، فإن قرار إقالته يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان مجرد امتداد لتلك التغييرات أم أن هناك أسبابًا أخرى غير معلنة، ربما تتعلق بصراعات النفوذ داخل الوزارة أو بإعادة توزيع الأدوار بين مختلف مراكز القرار.
"ديناصورات الوزارة".. لماذا يبقى الفساد الإداري محصنًا؟
ما يثير الاستغراب هو أن إعفاء المسؤولين في المناصب العليا لا ينعكس بالضرورة على جودة تدبير قطاع التعليم، لأن المشكل الحقيقي ليس في تغيير الأشخاص فقط، بل في تفكيك الشبكة المتغلغلة داخل الوزارة، والتي يُطلق عليها في الأوساط التعليمية مصطلح "ديناصورات الوزارة" أو "مسامير الميدة".
هذه الفئة من المسؤولين الإداريين، التي ظلت تتحكم في دواليب الوزارة لعقود، نجحت في البقاء رغم تعاقب الوزراء والإصلاحات، واستفادت من امتيازات متعددة، بينما تراجعت أوضاع الأساتذة والإداريين العاملين بالميدان.
فلماذا لم يشمل التغيير هؤلاء المسؤولين الذين ظلوا يشرفون على إصلاحات لم تحقق أي نتائج ملموسة؟
ولماذا تُرصد ميزانيات ضخمة كل سنة للقطاع دون أن تنعكس على جودة التعليم؟
مطالب الشغيلة التعليمية بين التجاهل والتسويف
في الوقت الذي تنشغل فيه الوزارة بإعادة توزيع المناصب، تظل الملفات الاجتماعية الحارقة التي تمس آلاف الأساتذة والإداريين مجمدة منذ سنوات، رغم الاحتجاجات المتكررة والوعود الحكومية التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
1. المقصيون من خارج السلم.. إلى متى الحيف؟
يشكل ملف الأساتذة المقصيين من خارج السلم أحد أبرز القضايا التي تعكس غياب العدالة في المنظومة التعليمية. هؤلاء الأساتذة، سواء كانوا متقاعدين أو مزاولين، يجدون أنفسهم محرومين من الترقية إلى ما بعد السلم 11، رغم أنهم أفنوا سنوات طويلة في التدريس.
كيف يعقل أن أستاذًا بخبرة تفوق 30 سنة يُحال على التقاعد بنفس السلم الإداري الذي كان عليه قبل عقود؟
أليس هذا إجحافًا في حق فئة أسهمت في بناء الأجيال؟
ورغم أن هذا الملف ظل مطروحًا في جولات الحوار الاجتماعي، إلا أن الوزارة تماطل في حله، في حين تُخصص ميزانيات ضخمة لبرامج لا تحقق أي تحسن ملموس في جودة التعليم.
2. ضحايا "الزنزانة 10".. معاناة مستمرة رغم الاحتجاجات
يعيش الأساتذة المصنفون في السلم 10 وضعية مجحفة بسبب بطء الترقية وغياب آليات واضحة لإنصافهم. فهؤلاء الأساتذة، الذين عُرفوا باسم "ضحايا الزنزانة 10"، وجدوا أنفسهم محاصرين في سلم وظيفي محدود، دون أي أفق مهني واضح، رغم سنوات الخبرة التي راكموها.
ورغم استمرار احتجاجاتهم على مدار سنوات، إلا أن الحكومة لم تتخذ أي خطوات جادة لمعالجة هذا الملف، ما يعكس استمرار سياسة التسويف والتجاهل.
3. الأساتذة المتعاقدون.. أزمة بلا حل
منذ اعتماد نظام التعاقد سنة 2016، وجد آلاف الأساتذة أنفسهم في وضعية هشة، حيث يفتقدون للاستقرار المهني والوظيفي، ولا يتمتعون بنفس الحقوق التي يحظى بها زملاؤهم في الوظيفة العمومية.
ورغم أن الاحتجاجات التي يقودها "أساتذة التعاقد" دفعت الوزارة إلى تقديم بعض التعديلات، إلا أن جوهر المشكلة ما زال قائمًا، مما يعكس استمرار سياسة الترقيع بدل الإصلاح الجذري.
إصلاح التعليم يبدأ من إنصاف الأساتذة والإداريين
لا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي للتعليم دون معالجة الاختلالات الكبرى التي تعاني منها أوضاع الشغيلة التعليمية. فالمعلم، الذي يُعتبر العمود الفقري للمنظومة، يعيش تحت وطأة الإجهاد المهني، وضعف الأجور، وانعدام الحوافز، والبيروقراطية القاتلة، وغياب العدالة في الترقية والتعويضات.
المطلوب: قرارات جريئة تفكك شبكة الفساد وتحقق العدالة
إذا كانت الحكومة الحالية جادة في إصلاح التعليم، فلا بد من اتخاذ قرارات حازمة تشمل:
1. فتح تحقيق شفاف في الصفقات والمشاريع الفاشلة التي استنزفت ميزانيات ضخمة دون تحقيق أي نتائج تذكر.
2. إعفاء المسؤولين المتورطين في عرقلة الإصلاحات الحقيقية، بدل الاكتفاء بتغييرات شكلية في المناصب العليا.
3. إنصاف الأساتذة المقصيين من خارج السلم، وضحايا "الزنزانة 10"، والمتعاقدين، عبر قرارات واضحة تضع حدًا للظلم الذي تعرضوا له.
4. إشراك النقابات والفاعلين التربويين الحقيقيين في صياغة سياسات التعليم، بدل فرض قرارات فوقية تزيد من تعقيد المشهد.
خاتمة: لا إصلاح بدون عدالة اجتماعية
إعفاء يونس السحيمي قد يكون مجرد تفصيل إداري في المشهد العام، لكن الإصلاح الحقيقي لن يكون له أي معنى ما لم يرافقه تغيير جذري في طريقة تدبير القطاع.
لا يمكن الحديث عن مدرسة ذات جودة في ظل وجود معلمين مقهورين مهنيًا، محاصرين إداريًا، ومحرومين من أبسط حقوقهم.
ولا يمكن انتظار تحسن التعليم ما دام الفساد الإداري والمالي متغلغلًا داخل الوزارة، مستنزفًا الموارد ومجهضًا أي محاولة للإصلاح.
إذا لم تتحرك الحكومة لإعادة الاعتبار للأساتذة والإداريين، فإن أزمة التعليم ستظل قائمة، وسيبقى التلاميذ هم الضحية الأولى لسياسات غير عادلة، لا تهدف إلا إلى إدارة الأزمات بدل حلها.
google-playkhamsatmostaqltradent