في البيولوجيا كما في
السوسيولوجيا، كلما بلغ جسم ما مستوى معينا من التطور والارتقاء، تباينت أجهزته
واختلفت وظائف أعضائه وازداد الارتباط والترابط بين هذه الأخيرة لأن كل جهاز يحتاج
في العمل لأداء وظيفته إلى الأجهزة والأعضاء الأخرى. في جسم الانسان مثلا يستحيل
وصول الأكسجين إلى الخلية بدون تظافر جهود جهاز التنفس الذي يأتي به من الهواء
والجهاز الدوري الذي ينقله عبر الدورة الدموية والجهاز الهضمي الذي يوفر الحديد.
كذلك الأمر بالنسبة للجسم
التعليمي، فبدون العمل سويا وبدون تعاون ومساندة بين مختلف أجهزة هذا الجسم لا
يمكن السير قدما بمنظومتنا ولا يمكن لأي أحد من أعضائها تحقيق ما يصبو إليه.
فالأستاذ (مع التحية والتقدير لكل أستاذة وأستاذ) يعتبر حجر الزاوية في الصرح
التعليمي. هو الذي يصير متصرفا أو مفتشا تربويا، وهو الذي يغير إطاره ليصبح
مستشارا في التوجيه أوفي التخطيط أوفي غيرها من المهام التي تتطلبها الحياة في
المدرسة سواء على المستوى التدبيري أو الاستراتيجي. لذلك يجب الاعتناء بالأستاذ
ماديا ومعنويا سواء في التكوين أوفي ظروف الاشتغال أو في الأجر، لأن الارتقاء
بالمدرسة المغربية يمر بالضرورة عبر رد الاعتبار لمن يشتغل ليلا في بيته ونهارا في
قسمه. وفي تقوية مهارات الأستاذ وتنمية كفاءاته يتم إعداد متصرفين ومفتشين تربويين
ومستشارين ومخططين في المستوى المطلوب. فالتكوين الأساس الذي يتلقاه المستفيدين في
مركز من مراكز التكوين يبنى على أساس تجربة الأستاذ.
بعد النجاح في مسلك من
المسالك، يفترض في المتصرف والمفتش والموجه والمخطط أن يكونوا قد اكتسبوا كفايات
التدريس والتربية والتعليم حتى يتسنى لكل واحد منهم أن يشتغل في تناغم وتعاضد مع
الآخرين لما فيه مصلحة المتعلم أولا والمجتمع ثانيا. فالصراع في الجسم الواحد صداع
ووجع وألم.
وفي هذا السياق أتساءل مع القارئ المحترم قائلا:
هل جانبت الوزارة الصواب لما قبلت
استعادة المستشار في التوجيه أو في التخطيط التربوي لحقهم المشروع في تغيير الإطار الي مفتش في التوجيه والتخطيط؟
يمكن الجواب عن هذا التساؤل بداية
بالقول إن هذا الحق تم الاجهاز عليه في النظام الأساسي لسنة 2003 وناضل المستشارون
من أجل استرجاعه وتمكنوا من ذلك في النظام الأساسي لسنة 2024 شريطة الخضوع لتكوين
خاص. لذلك فهو حق ينبغي الحصول عليه ومكتسب تم استرجاعه من طرف هذه الفئة من نساء
ورجال التربية والتكوين.
ثانيا، بالنظر إلى الشروط التي يتم بها ولوج
مركز التوجيه والتخطيط التربوي والتي أصبحت مثلا مع الفوج الأخير أعلى الشروط مقارنة
بما يتطلبه دخول أي مركز آخر في بلادنا، يمكن إزالة أي لبس حول أحقية التخرج بإطار
مفتش في التوجيه أو التخطيط التربوي لمن استفاد من سنتين من التكوين عملا، على
الأقل، بتوحيد المسارات في مدة التكوين لأن التكوين الذي يتلقاه من ولج هذا المركز متعدد ومتين يمتد على مجالات معرفية
متنوعة من الاقتصاد إلى البسيكولوجيا ومن القياس والتقويم إلى الرياضيات الإحصائية
مرورا بكل ما هو تربوي و سوسيولوجي. فالتعقل
معناه أن يكون المنطق أساس الفكر في المقاربة والتحليل وإلا سيكون العبث هو السائد
والذاتية مهيمنة.
بهذا يكون القول بحرمان هذه
الفئة من تغيير الإطار الي مفتش في التوجيه والتخطيط
ظلما مزدوجا، أولا لكون هذا الاجراء كان معمولا به في السابق وأن الاجهاز عليه كان
بدواعي غير تربوية، ثانيا أن شروط دخول المركز والتكوين داخله يمنح الحق كاملا
للتغيير على غرار ما يتم في مراكز أخرى لها مدخلات تقل كثيرا كثيرا مما يُشترط في
دخول مركز التوجيه والتخطيط التربوي.
وسواء كانوا في التفتيش أو في
الاستشارة، فإن أطر التوجيه والتخطيط التربوي يشكلون عضوا من جسم المنظومة
التربوية، يعملون في تلاؤم وتفاهم مع الأطر الأخرى. وليسوا في حاجة إلى مرافعة من
أجل التعريف بأهمية دورهم في المنظومة، ينبغي فقط أن نشير إلى أن غياب التخطيط
يسمى عشوائية وأن غياب التوجيه يدعى ضلال. لنتصور منظومة تربوية تحكمها العشوائية
ويسودها الضلال. ما الذي يمكننا أن ننتظره منها؟
إذا كان من واجب كل فئة من
فئات الأسرة التربوية أن تقف إلى جانب بعضها البعض للدفاع عن مطالب يراد تحقيقها،
فما عسانا أن نقول فيمن يطالب بحق أُخذ منه عنونة لأسباب لا شرعية ولا موضوعية؟
في الختام، يجب الإشارة إلى ان الصراع الداخلي guerre intestine)) ينهك الجسم ويؤلمه، ويضيع الجهد ويفقده.
إن أعضاء الجسم الواحد تتبادل القوة وتشترك في الضعف.
كاتب المقال : الأستاذ الغازي لكبير